مقالات مختارة
– تكثر التحليلات والتقييمات التي يصدرها من تطلق عليهم القنوات الفضائية لقب الخبير بالشؤون الاستراتيجية، والتي تتحدث عن القيمة الاستراتيجية للغارات الأميركية على العراق وسورية واليمن، بما لا يجرؤ المسؤولون الأميركيون أنفسهم على ادعائه، إذ يتحدث “خبير” عن بُعد رادع في مجيء قاذفات من أميركا وهي في طيران دون توقف وتزوّدها بالوقود في الجو، كعلامة دالة لها رمزية كبيرة. ويضيف إليها “خبير” آخر أن هذه الطائرات مجهّزة لحمل رؤوس نووية، كعلامة إضافية. ويتوقف “خبير” ثالث أمام ما يسمّيه ضرب البنى التحتية لقوى المقاومة.
– في تقييم الغارات لا تحتسب الخسائر القابلة للتعويض أو التحمّل، حيث إن غزة خسرت قرابة المئة ألف من أبنائها وبناتها بين شهيد وجريح ولا تزال منتصرة، لأن جيش الاحتلال لم يستطع بالقتل والتدمير أن يحلّ معضلة الأسرى، ولا معضلة التخلص من المقاومة. وهما المهمتان اللتان خرج للحرب من أجلهما. وكانت وظيفة القتل والتدمير إيجاد آليات ضغط على المقاومة للتراجع أمامه، وطالما أن هذا التراجع لم يحدث فهو مهزوم ويخسر الحرب.
– المقاومة في العراق وسورية واليمن قدّمت شهداء وجرحى بسبب الغارات الأميركية، لكنها لم تغير من قرارها بالبقاء جبهات إسناد لغزة ومقاومتها وشعبها، وترجمت ذلك بمواصلة تحركاتها التي كانت قبل الغارات لتمثيل هذا الإسناد. فاستمرّ اليمن بفرض إجراءاته على السفن التي تعبر البحر الأحمر، واستمرت المقاومة العراقية باستهداف القواعد الأميركية في سورية والعراق. ومعيار النجاح بضرب البنى التحتية لا يقوله الخبراء بل الوقائع العملية. فما دامت المقاومة مستمرة بفعل ما كانت تفعل، فهذا يعني أن الغارات فشلت في تغيير الإرادة وفشلت في ضرب القدرة.
– ثمّة سؤالان يشكل الجواب عليهما تحديداً لمدى القيمة الاستراتيجية للدولة العظمى التي تمثلها أميركا والقيمة العسكرية لقاذفاتها الاستراتيجية التي تطير بدون توقف وتتزوّد بالوقود في الجو وتحمل رؤوساً نووية. السؤال الأول هو: هل تستطيع واشنطن أن تطمئن السفن الإسرائيلية أنه بات بمقدورها عبور البحر الأحمر دون قلق؟ والسؤال الثاني هو: هل تقدر أميركا أن تقول لمستوطني شمال فلسطين المحتلة، أنه بات بمقدورهم العودة إلى مستوطناتهم دون خوف من ضربات المقاومة؟ وما دام الجواب سلبياً في الحالتين، فإن الدولة العظمى قيمتها الاستراتيجية في المنطقة صفر، والقيمة العسكرية لقاذفاتها صفر.
– مشكلة أميركا أنها تدرك بأنها عاجزة عن صناعة حرب كبرى وتحمّل تبعاتها وخسائرها، وتدرك أن السبب هو عجزها عن بذل الدماء، وتدرك أنها خسرت حربيها في العراق وأفغانستان بسبب هذا العجز، وأنها لجأت الى تعويض هذا العجز بالاستعانة بالجماعات الإرهابية حتى تجرأت على اتخاذ قرار الحرب على سورية. وتدرك أن إمكانية لفعل الشيء نفسه في ما يخص فلسطين، فسقف ما تستطيعه هذه الجماعات هو الامتناع عن المشاركة في حرب المقاومة، ومحاولات استنزاف حلفاء المقاومة في سورية والعراق، لكنها أعجز من أن تغير موازين القوى، وقد جربت حظها في ظروف أفضل بكثير وفشلت.
– مشكلة أميركا أنها تدرك أن الباب مفتوح لتسوية يمكن أن تقبلها المقاومة، وأن عجزها عن السير بهذه التسوية هو أنها تضع المصالح الإسرائيلية كأولوية في مقاربتها معادلات المنطقة، لأنها تعتبر كيان الاحتلال أداتها الوظيفية الأشد إخلاصاً في منطقة حيوية وشديدة الأهمية الاستراتيجية في حسابات المصالح الاستعمارية، وليس بحساب المصالح الوطنية الأميركية العليا، التي يفترض أن يكون جوهرها السعي لكسب رضا شعوب المنطقة. وتدرك أميركا جيداً أنها عندما طرحت بعد أحداث 11 ايلول سؤال لماذا يكرهوننا، حصلت على جواب واضح، وهو التبني الأعمى والمفتوح الى جانب “إسرائيل” ومصالحها وحروبها وجرائمها وسياساتها.
– طالما هذه هي الخيارات الأميركية، فإن موقع اميركا الطبيعي الى جانب كيان الاحتلال سيجلب على أميركا الهزيمة التي مُني بها الكيان في 7 تشرين الأول الماضي، وشريك الهزيمة عليه أن يكون شريكاً في فاتورة الهزيمة، ولذلك طال الزمن أم قصر فإن على أميركا بينما تستعدّ “إسرائيل” للانسحاب من غزة والدخول في صفقة تبادل بشروط المقاومة لاستعادة أسراها، أن تستعدّ هي للانسحاب من العراق وسورية.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً