حديث من وسط الميدان: اعرف قوتك.. اعرف عدوك ــ يونس عودة

الأربعاء 24 كانون الثاني , 2024 12:14 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في ساعة من ذروات الاشتباك على الجبهة الجنوبية مع العدو الصهيوني, اسناداً للشعب الفلسطيني , واستنزافاً لقدرات العدو العسكرية والاقتصادية، يمكن للمرء ان يكتنفه فرح لا يفوقه الا فرح التواقين الى الشهادة..
يمكن للبعض ان يعتبر الدعوة للقاء قائد عسكري في الميدان أمراً ممكن ان يحصل في ظروف ميدانية ليست بالتعقيد الذي يجاهد المنتشرون في الميدان على جبهة تمتد لأكثر من 110 وعشرة كيلومترات, على تحليله ساعة بساعة والعمل على تفكيك رموزه لحظة تلة اللحظة في ظل الصواريخ والغارات الجوية المصحوبة بأعتى وسائل التقنية المنتجة في مصانع الشر الاميركية و"الاسرائيلية", والانغلو ساكسوني عموماً.
  ان تكون حضوريا مع أحد قادة الجبهة في وسط الميدان, وان يترسخ يقينك بان ختام الحرب لن يكون في صالح عدو امتهن الجريمة على كل الصعد، بلا الحد الادنى من الاخلاق العسكرية, يعكس طبيعة انشاء الكيان على ارض فلسطين، مع محاولات فرض وقائع مذلة على العرب، الغارقين في التكييف مع العدو واعماله الشريرة.
في عملية انتقال الى الجنوب بلا تعقيدات، سوى المحافظة على سرية حركة الانتقال، صوناً لأمن وحياة مجموعة صغيرة اختيرت من ذوي المعرفة في العمل العسكري الاكاديمي، وبعضهم يحوز تجربة ميدانية اكان في الحروب الكلاسيكية او في حرب العصابات، يصل الجميع الى نقطة قريبة من شاطئ له ميزات تاريخية منذ مئات, لا بل الاف السنين في الصمود والتحدي لغزاة تمرغت أنوفهم على رماله, واندحروا من جهة, وشهد انطلاقة فتوحات اتجاه شمال افريقيا ووصلوا الى تخوم مركز الامبراطورية اللئيمة حينذاك، قبل ان يصل رسول عالي التهذيب لمواكبة المجموعة الصغيرة، واجرأُ على القول "المجموعة المحظية", الى مكان لا يتخيل المرء ان يكون ابدا في هذه الدقة من التنظيم والامان, مع اغمار من الترحيب من كل فرد من الافراد، اصحاب المباسم المانحة للثقة والطمأنينة.
لقد ذابت كل السيناريوهات المتخيلة التي راودت الرؤوس لحظة دخول القاعة الرحبة بشغف اللقاء مع القائد الميداني، وهو منتصب القامة، بلباس الميدان، مستقبلا كالطود الشامخ، المتواضع بانحناءة السنبلة وهو يضع يده مسلماً على الزوار فردا فردا، وكأنه على معرفة بكل واحد من الثلة, والى جانبه شاب بهندام انيق متناسق لا يحتاج المرء كثيرا ليدرك انه يحوز على مدارك فنية وهندسية ليس من الدراسة فقط، وانما من الميدان مباشرة، ولحظة بلحظة.
بعد دقائق من استراحة الطريق وضيافة الأهلا في العرين الرحب, ينتقل الجميع الى طاولة مجهزة للتحدث, والشرح اللوحي الالكتروني.
في الشرح التقني المصحوب بصور وثقها المقاومون في الميدان، ربما من مسافة صفر, بحيث تظهر الارقام والتصنيفات لأجهزة الرصد والتصوير, والتجسس, ونوع كل جهاز ورادار، ومدى عمله وقدرته ,والشركات المصنعة، وهي الأعتى في المجال, بحيث لم يعد لديك اسئلة استفسارية سوى الجرأة في ان تطلب اسم كل جندي صهيوني، ودوام عمله, وحتى صورته وهو داخل الدشم المحصنة، والتي تناثر تسليحها بفعل الضريات الصاروخية الدقيقة، وحسب الحاجة.
يمنح الشاب الانيق بكلماته المعرفية الصارمة, المستمعين بشغف المعرفة, الثقة العارمة من خلال  الشرح المسهب, وهو ما يدفع البعض الى المقاطعة للاستزادة احيانا, وللاستعراض المعرفي حينا، ليكون تقديم المعلومة بالتفصيل الدقيق عن كل موقع، وكأنه داخل كل موقع, من مواقع الاحتلال على طول الجبهة اللبنانية الممتدة من الناقورة, حيث يقابلها موقع "جل العلام"؛ الأكثر تسليحاً بأحدث تجهيزات التنصت والمراقبة والتشويش، والرادارات التي تصل قدراتها العملانية الى دول عربية واقليمية بهدف النيل من انها والسيادات الوطنية، الى العرقوب، حيث موقع زبدين هو الاهم على مرتفعات جبل الشيخ، وكلها  تحولت الى عمياء كليا، او على الاقل بنسبة 95 بالمئة، مع صعوبة بالغة في الترميم، لان العين ترصد, واليد تدمر كل محاولة في هذا المجال, والعقول تعمل على مدار الوقت , حيث لا تنام العيون بينما الاخرون في الوطن يغرقون في سبات الرهان البخس, كما عرب لا يألمون لما يتحمله الشعب الفلسطيني.
لقد تمكن رجال المقاومة الذين خضرمتهم التجارب من ضرب دقيق للبدائل التي لجأ اليه العدو , ومنعوا اعادة التوصيل والتجديد للمنظومات الرصدية بنكهة ميدانية عززتها تجربة التقييم اليومي لكل ضربة لاي موقع من مواقع الاستهداف , حتى وصلت الى النسقات خلف الحدود بأعماق متعددة، والقدرة على التأقلم مع موجبات المعركة من الشهداء الذين عرفوا مسبقا طريقهم , وحجم انجازات شهاداتهم المباركة.
يشرح القائد الميداني الذي عركته تجارب الحروب على اشكالها وفي ساحات الاشتباك المختلفة, عمل جيش الاحتلال في الجهة المقابلة من الحدود والامكانات البشرية واللوجستية ,والتبديلات التي يلجأ اليها مع كل تطور, او حدث ما, ويسمي اسماء الوية فرقة الجليل والكتائب الملحقة, وعمل الاستخبارات ,وساعة التعديل العملاني, وعمل كل كتيبة بدقة متناهية , نتيجة الجهد الاستعلامي للمقاومة، وكأن عيونه داخل قاعة قيادة الاركان "الاسرائيلية"، والقيادة الشمالية في صفد, كذلك في قاعدة ميرون؛ الاكثر تحصينا والاعقد تقنيا.
لا يتردد القائد الميداني بالبوح, بان "الجيش الاسرائيلي" جيش حركة مستمرة, لكن القدرة على التكييف العملياتي بالنسبة للمقاومة يجعل يدها الطولى في المعركة, سيما مقدراتها على استيعاب العبر بسرعة, وقد كانت لعملية طوفان الاقصى الهاماتها المنيرة .
ان ما تشهده ارض غزة اثبت انه بقدرات, ومقدرات لا تجاري ابدا ما يمتلكه العدو, انزلت وتنزل ضربات مذلة للقائمين بحرب ابادة الشعب الفلسطيني, وبأولئك الذين راهنوا على ان قتل الشعب الفلسطينية من خلال المجازر يمكن ان يقتلوا روح المقاوم , وهي لم تجرح .
يقول القائد الميداني, الصبور على بعض الاسئلة, نحن نتعاطى مع الجغرافيا والمنطق, ولدينا يقين من خلال الوضع الميداني المراقب مراقبة لصيقة ان العدو في وضع دفاعي, وكل حركته الميدانية, رغم توسيعه احيانا دائرة النار باعتباره المنطقة , كلها منطقة عسكرية وكل حركة بمثابة الهدف, لكنه يدرك اننا لم نستخدم من قدراتنا العسكرية شيئا يذكر, حتى من صاروخ البركان الذي استخدمنا من اجياله, الجيلين الادنى, فما باله بالجيليين الاخرين, اذا لم نتحدث عن انواع وطرازات اخرى.لم تظهر في الميدان ابدا ,وكله في اوانه .فنحن لسنا حتى الان  في المواجهة الواسعة , ولا نريد ان نظهر تكتيكاتنا, وقد عالجنا ما يجب معالجته من الحماسة والسرعة, واستنساب الدقة, ونحن نقوم بالدرس والتقييم والاجراءات, بما يتناسب مع الميدان .والرد المتناسب, ويدنا لاتزال هي الاعلى.
أكثر من ساعتين من الشرح, تجعل المستمع أكثر رسوخا ويقينا بالنصر الاتي على اجنحة شهداء, لم نعرفهم, لكننا عرفنا أحد قادتهم , الذي يلوذ بكلمات سيد المقاومة اليقينية بالنصر الحتمي.
ان النزال الدائر حاليا, لا يقرر مستقبل فلسطين وشعبها فحسب, وانما سيترك بصماته, على ما ستكون عليه الانتخابات في اكثر من بلد في العالم, ولاسيما رأس الشر العالمي المتمثل بالولايات المتحدة الاميركية, وبالتالي ستكون البصمة عالمية, وهو ما نشهد نذره من خلال اعادة هز الضمير لدى العديد من شعوب العالم,جراء الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الابية, المنتصرة بدعم ميداني من لبنان الى العراق وسوريا وصولا الى البحرين العربي والاحمر.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل