الجنائية الدولية.. والمقدرة على محاسبة "إسرائيل" ـ يونس عودة

الخميس 30 تشرين الثاني , 2023 11:16 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كشفت العملية الاسطورية "طوفان الاقصى" منذ الساعات الاولى مدى الزيف الدولي الذي يرغي اصحابه بترهات الحرية وحق تقرير المصير, واستتباعاً كشفت ما تلا ذلك الطوفان المجيد من عدوان غير مسبوق على الانسانية قاطبة, وعلى الشعب الفلسطيني بشكل خاص, الذي تبارك نضاله بنحو عشرين الف شهيد غالبيتهم من الاطفال والنساء وكبار السن, ونحو40 الف جريح في سياق عملية الانتقام العرقي والعنصري, كما ان القوانين الدولية, وبغض النظر عن مقدار العدالة فيها، كانت بدورها احدى ضحايا العدوان المنفذ بأيدي عصابات الاجرام الصهيوني, وبشراكة غير مسبوقة من فاجري الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاميركية, وكشفت فيما كشفت ايضا هزالة منظمات ومؤسسات العدالة الدولية، ولا سيما تلك التي انشأها الغربيون بعد الحرب العالمية الثانية, وكذلك بعد انهيار الاتحاد السوفياتي, وتفرد الولايات المتحدة الى حين بلف قبضتها حول عالم ارتضى حكامه بالخنوع, كسبيل للبقاء.

بلا شك فإن المقاومة الفلسطينية الشاملة, وقد جرى التعبير عن عمقها وتجذرها في الشعب الفلسطينية، في الايام الخمسين منذ "طوفان الاقصى" لم يكن المجاهدون فقط وهم الذين برعوا في استخدام ما امتلكوه من سلاح انزل هزيمتين مدويتين, بالمعنى الحرفي والمعنوي والقانوني والانساني والاقتصادي وادارة الحرب بالشقين العسكري - الامني والسياسي, بعدوّ طالما تغطرس لأنه يستند الى ألف "أب" غربي يتسابقون على انه من سلالة اي منهم، وبالتالي يجيزون لأنفسهم "الدفاع" عن مولودهم ولو انه مسخ عجيب قاتل, فوق اي عدالة سنها البشر.

لقد نشأت في العالم منظمات حقوقية على هامش المنظمات المعنية بالعدالة في الامم المتحدة, في ضوء فشل المنظمة الدولية في تحقيق الاهداف التي أنشئت من اجلها, خصوصا انها لم تقدر على تنقيذ قراراتها منذ تأسيسها، خصوصاً تلك المتعلقة بالدول الاستعمارية والربيبة "اسرائيل"، التي ارتكبت على الملأ مجازر جماعية, ومحاولة تطهير عرقي واضحة، لا بل بإعلان واضح من قادة الكيان بان هي الخطة المنوي تنفيذها.

من تلك المنظمات المحكمة الجنائية الدولية التي يمكن, وفي التوصيف الادنى, انها تتعامل مع القضايا المتشابهة بمعايير مزدوجة وثلاثية, وفقا للرغبات والاهواء التي تحكمها من خلال السطوة الاميركية خصوصاً, والغربية عموماً.

من غرائب عمل المحكمة الجنائية انها تتجاهل، رغم المطالبات والمناشدات المقرونة مع الدلائل والقرائن التي لا تشوبها شائبة من حيث الوضوح, كالتي حدثت امام مرأى العالم كله بتجاهل فظ, بدعوى ان ممثلي الادعاء يجدون صعوبات في إثبات الاتهامات بما يحقق المهمة الصعبة، بل والتي يصفها البعض بالمستحيلة المتمثلة في إعداد القضايا في جرائم ارتكبت قبل سنوات، بينما يلجأ ممثلو الادعاء انفسهم الى تجريم من يصعب تدجينه ضمن خطط الغرب المتوحش، او من يقاوم الاحتلال، ويدافع عن سيادته وبلاده وشعبه، بالاستناد الى دعاوى مجهولة الشهود، وبلا اي قرينة، لا بل تعتمد في احيان كثيرة على تدبيج سيناريوهات من القوى المعتدية، مثلما حصل في سوريا وروسيا، وغيرهما.

تأسست المحكمة الجنائية الدولية سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء وهذا يعني بالتحديد أي فعل من الأفعال المحددة في نظام روما (مثل القتل أو التسبب بأذى شديد) ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً أو جزئياً.

هنا الجواب واضح, وهل ما ارتكب ضد الشعب الفلسطيني منذ 75 عاما ولا يزال مستمرا حتى اليوم , لا تنطبق معايير المحكمة الدولية عليه؟!

اما في تصنيف الجرائم ضد الإنسانية, وتعني بالتحديد أي فعل من الأفعال المحظورة والمحددة في نظام روما متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وتتضمن مثل هذه الأَفعال القتل العمد، والإبادة، والاغتصاب، والعبودية الجنسية، والإبعاد أو النقل القسري للسكان، وجريمةِ التفرقة العنصرية وغيرها. الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية عرضة للعقاب بصرف النظر عن ارتكابها وقت «السلامِ» أَو الحرب.

وهذا جواب واضح ايضا, بتطابق الافعال الصهيونية عبر كيان محتل لأرض، ويعمد عن سابق تصور وتصميم في ارتكاب الجرائم هذه، ويعتقد انه بالحماية الغربية أكبر من ان يتمكن أحد على محاسبته.

اما في جرائم الحرب، فتعني الخروقات الخطيرة لاتفاقيات جنيف 1949 وانتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب، متى ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي، ولا يعني الدفاع عن النفس باي شكل من الاشكال، لان المحتل معتد اصلا, ولا يجوز باي صفة اكتساب مشروعية في الدفاع عن النفس.

هذه هي المذكرة الأولى التي تصدرها المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب مزعومة ارتكبت في حرب أوكرانيا، وهي واحدة من المناسبات النادرة التي تصدر فيها المحكمة أمراً بحق رئيس دولة في منصبه.

من المفارقات الخطيرة التي حدثت في السنوات الاخيرة أن الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، اعتقدوا انهم أمنوا لأنفسهم اطاراً دولياً خاصاً بشكل محكم، وهم يتصرفون من خلاله كما تشاء غرائزهم، ولا أحد له الحق، ولا يستطيع محاسبتهم، بموازاة آلة اعلامية ضخمة تقف خلفها عقول شريرة عملت على تشويش الاذهان والعقول في البدايات، الى حين اعتقد المخططون انهم وصلوا الى المرحلة الاخيرة في السيطرة على العقول, وبالتالي اصبحت الشعوب عبارة عن دواجن؛ لا تأكل الا من معلفها المسموم.

السؤال الملحّ يقول: ما فائدة التاريخ البشري إذا كانت مصائر الشعوب والدول تبقى رهينة بـ"تقارير" دولة واحدة، أعطت الحق لنفسها في أن تكون "شرطي العالم" لأنها الأقوى والأغنى، والوحيدة القادرة على اتهام نظام لا يعجبها او فريق يسعى الى الحرية، او شعب يريده تحرير وطنه المحتل، بكل الآثام والعمل على القضاء عليه بقسوة وعنف، حتى الابادة، وعندما تحقق الغايات الشريرة تعلن عبر الاعتراف الفاجر بأن "الأدلة" التي ساقتها سابقا بحماسة لتنفيذ حكم "الإعدام" لم تكن صحيحة ونفذت افعالها الجرمية، بلا قرائن، وانما على اجتهاد منسوج بخيوط الشر، الا ان الهياكل والمنظمات المحبوكة بعقول اللصوص المحترفين تسارع إلى الصفح عن المجرم السافر، لأنه أعلن بنفسه وأقر على الملأ بصيغة، "في الأمر خطأ ما"، فصناعة الكذب تتطلب مهارة في إظهار قدر من "النزاهة" كي تنفتح الأبواب وتصل "الدعاية السوداء" إلى الأسماع والقلوب.

ربما لجأ البعض الى تقديم شكاوى لمحكمة الجنايات الدولية على خلفية الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، بغض النظر الى اين يمكن ان تصل، ولكن التاريخ طالما اثبت ان جلدك لا يحك الا بظفرك، وقد اثبتت "طوفان الاقصى" ان الخيار والنصر وتحقيق الاماني والحرية والتحرير لا يأتون الا من فوهات البنادق، وصهيل الصواريخ، حيث تكشف كل الحسابات والمحاسبة الشاملة في الوقت الذي لم يعد بعيداً.

لقد كتب مقاومو غزة، بالتآزر، والمؤازرة مع محور المقاومة المعبر عنه في وحدة الجبهات لا سيما في لبنان، حيث قدمت المقاومة كوكبة كبيرة من الشهداء في الميدان الذي يتجاوز مئة كلم، وانزلت بالعدو خسائر مفجعة، لا تزال فرائصه مع فرائص المستوطنين تصتك وترتعد، وكذلك المؤازرة الرائعة من يمن الأباك، الى المقاومة الاسلامية في العراق، كتبوا ملحمة وحدوية، عبرها وحدها تنتزع الحقوق، وعدا كل ذلك لا يعدو محاولات تمرير الوقت لقبول جسم مسموم في المنطقة يسمى "إسرائيل".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل