شهر على "طوفان الأقصى" .. تقدير موقف

الإثنين 06 تشرين الثاني , 2023 10:55 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

أ‌. من جهة استمرار غارات العدو الجوية ضد المدنيين والبنية التحتية لقطاع غزة، أم من جهة تكرار محاولات "جيش" الاحتلال دخول القطاع برياً، ناهيك باستمرار العدو في فرض حصار كامل وخانق على القطاع، بما في ذلك قطع الكهرباء بشكل كامل، ومنع وصول الماء الصالح للشرب للسكان المحليين، ومنع إدخال الدواء والوقود إلى القطاع المحاصر.

ب‌. لقد بات واضحاً أن العدو يعتمد سياسة ارتكاب المجازر بحق المدنيين كإستراتيجية رئيسة ضمن خططه لخوض هذه المعركة، فالقصف المتكرر لمراكز اللجوء في المدارس، والغارات المباشرة على المستشفيات والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، وقصف المساجد والكنائس بمن فيها، واستهداف المنازل والأبراج السكنية المأهولة بعشرات العائلات من دون سابق إنذار باستخدام قنابل ذات قدرة تدميرية هائلة، لا يُعقل بأن يكون مجرد أخطاء عسكرية، أو بغرض ضرب أهداف للمقاومة أو استهداف قياداتها، إذ إن البنية التحتية العسكرية للمقاومة تتمركز تحت الأرض لا في التجمعات السكانية والمستشفيات، بالإضافة إلى أن أفراد المقاومة وقياداتها قد اتخذوا مواقعهم في الأنفاق القتالية البعيدة عن المرافق المدنية منذ الدقيقة الأولى لانطلاق معركة "طوفان الأقصى".

ج. ففي مقارنة بسيطة، نجد أن عدد الشهداء اللبنانيين المدنيين، الذين ارتقوا خلال 33 يوماً في حرب تموز 2006، يتراوح بين 1000 و 1200  شهيداً، بينما يقترب عدد الشهداء المدنيين في قطاع غزة من عشرة آلاف شهيدٍ تم إحصاؤهم حتى اللحظة، جلُّهم من النساء والأطفال، ويرجح أن يرتفع هذا الرقم بشكلٍ ملحوظٍ كون المئات أو الآلاف لا يزالون تحت الأنقاض، هذا ناهيك بأن القصف الجوي والبحري والبري العنيف لا يزال مستمراً على المرافق المدنية وعلى مدار الساعة لغاية كتابة هذه السطور.

د. إن اعتماد العدو على إستراتيجية ارتكاب المجازر ضد المدنيين بشكل متعمد في المعركة الراهنة يرقى بجريمة الحرب هذه إلى مرتبة جريمة "إبادة جماعية" موصوفة.

ه. رغم ارتكاب العدو لجرائم حرب في معارك سابقة، كمجزرة بحر البقر وقانا والشاطئ وغيرها من المجازر الأخرى، فإن اعتماده المجازر كإستراتيجية في هذه المعركة يختلف نوعياً عن باقي جرائم الحرب تلك، ويُذكِّر هذا بإستراتيجيته التي اتبعها في حرب 1948 التي كان يهدف من خلالها إلى التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم آنذاك.

و. لم تنجح إستراتيجية الإبادة الجماعية التي يتبعها العدو في تهجير سكان القطاع من أرضهم، ولا نجحت في دفع سكان القطاع إلى الانقلاب على المقاومة، أو انهيار الروح القتالية عند المقاتلين. مع ذلك، لا يمكن تجاهل ما تُشكِّله الإبادة الجماعية المستمرة من خطر على سكان القطاع.

ز. يمكن تصنيف آثار عملية "طوفان الأقصى" العسكرية، صبيحة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على أنها كانت إستراتيجيةً بامتياز، ويمكن قراءة ذلك في توصيفات قيادات العدو السياسية والعسكرية للمعركة الدائرة بأنها معركة وجود أو "معركة الاستقلال الثاني"، وظهر ذلك أيضاً في طبيعة رد فعل الأميركي وشركائه الغربيين على ما حصل صبيحة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إذ تداعى زعماء الغرب والأساطيل البحرية الأميركية والبريطانية فوراً لحماية الكيان من السقوط.

ح. تشير طبيعة تعاطي وسائل إعلام العدو المرئية والمقروءة مع المعركة الراهنة إلى أن جبهة العدو الداخلية تشاطر قياداتها السياسية والعسكرية الرأي آنف الذكر، إذ إنه برغم الخسائر الكبيرة لـ"جيش" الاحتلال في العديد والعتاد جراء المعركة الدائرة، وبرغم حجم العبء الاقتصادي الذي يسببه استمرار المعارك، وبرغم مرور قرابة شهر على بدء الحرب، فإن وسائل إعلام العدو ما زالت تقول باستمرار القتال، ولا يبدو حتى اللحظة أنه قد تشكل رأي عام وازن في المجتمع الصهيوني يدعو إلى وقف المعركة على غرار ما كان يحصل في حروب سابقة، بل على العكس، فإن غالبية أطراف المجتمع الصهيوني اليمينية واليسارية على حد سواء تنادي باستمرار المعركة حتى تحقيق إنجاز عسكري ملموس.

ط. يدرك العدو وشريكه الأميركي، الذي بات يشارك في إدارة المعارك بصورة مباشرة، أن أي وقف لإطلاق النار في الوقت الراهن، وقبل أن يتمكن "جيش" الاحتلال من تحقيق أي إنجاز عسكري واضح في الميدان، سيعدّ انتصاراً بائناً لكتائب القسام، وبأنه سيثبِّت الإنجاز الإستراتيجي الذي حققته المقاومة الفلسطينية صبيحة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وقد كان ذلك جلياً في التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي، عقب انتهاء المؤتمر الوزاري الذي جمعه بوزراء خارجية الدول الخليجية ومصر والأردن، والذي انعقد في عمَّان في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

ي. لا تزال كتائب القسام تمتلك زمام المبادرة في المعارك الدائرة، إذ تشير التقارير الآتية من الميدان إلى أن العدو لم يستطع تحقيق أي خرق بري جديٍ، رغم تكرار المحاولات، ويؤشِّر استمرار قصف المدن والمستوطنات في الداخل المحتل بالصواريخ، واستمرار عمليات اقتحام قواعد العدو العسكرية في "غلاف غزة" براً وبحراً وجواً من جانِب قوات النخبة في كتائب القسام، وذلك بالتزامن مع تصاعد حدة المعارك البرية، إلى استمرار تماسك منظومة القيادة والسيطرة لدى المقاومة الفلسطينية، وبأن خطوات العدو لا تزال تعد في طور رد الفعل.

ك. ما زالت قوى محور المقاومة في الإقليم تلعب دور جبهات الإسناد لجبهة غزة المشتعلة، وذلك ضمن حسابات معقَّدة وضوابط كي لا تتحوّل الحرب الراهنة إلى حرب إقليمية مفتوحة، مع تزايد تدريجي لحدة الاشتباكات على جبهة شمال فلسطين المحتلة مع حزب الله، بعد إعلان القوات المسلَّحة اليمنية رسمياً دخولها معركة "طوفان الأقصى"، وتوسيع فصائل المقاومة الإسلامية العراقية دائرة استهداف القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، تماشياً مع المطالعة التي قدَّمها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في إطلالته الأخيرة يوم الجمعة 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، والتي وصف فيها المعركة الراهنة بأنها معركة تدور مع الأميركي، وبأن الكيان الغاصب يلعب فيها دور الوكيل.

ل. يجري بالتوازي حراك دبلوماسي حثيث للتوصل إلى وقف إطلاق نار، أو هدنة إنسانية مؤقتة، تلعب فيه قطر الدور الأبرز كوسيط، مع عدم توفر معطيات على حصول خرق حقيقي في هذا الخصوص حتى حينه، رغم بعض التصريحات المتفائلة من هنا وهناك.

بناءً على ما تَقدَّم، وبناءً على مستوى تعقيد المشهد بالنظر إلى طبيعة المعركة وحجم تضارب المصالح بين الأطراف المتقابلة، يبدو أن احتمال استمرار المعارك لفترة أطول يتساوى تقريباً مع احتمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، مع تغليب الاحتمال الأول على الثاني ولو بدرجة بسيطة، وبقاء احتمال تدحرج الحرب الراهنة لتغدو حرباً إقليميةً كاحتمال وازن ضمن الاحتمالات.

مع الإقرار بالصعوبة البالغة في إمكانية التنبؤ بمسار الحرب الراهنة، وذلك نتيجةً لكثرة تداخل العوامل المؤثرة في عموم المعركة، إلا أنه كون:

1. أن الإقليم يعيش حالةً من عدم الاستقرار الواضحة، بسبب حدوث فراغٍ إستراتيجيٍ عقب التراجع الأميركي في المنطقة، وبسبب اختلال موازين القوى بين الأطراف المتقابلة بصورةٍ مؤثِّرةٍ، ما جعل منطقتي المشرق العربي وغرب آسيا أشبه ببرميل موادٍ شديدة الانفجار،

2. أن حجم الرهانات لإعادة صوغ المنطقة من قبل الأطراف المتقابلة كبيرة،

3. أن تلك الرهانات ترتبط بصورةٍ عضويةٍ بمآلات الحرب المشتعلة في فلسطين المحتلة،

4. أن تلك الرهانات ستكون لها آثار دولية جوهرية تتجاوز منطقتي المشرق العربي وغرب آسيا،

5. أن الأطراف الرئيسة المتقابلة سواءً أكانت قوى المقاومة أم الكيان الغاصب، تعد قوى عقديةً ليست في وارد التوصل إلى تسوياتٍ كبرى، وكلاهما محق في هذا التقدير،

6. أن العالم يمرُّ في مرحلة سيولةٍ دوليةٍ، إذ ليس من قوة تضبط إيقاعٍ النزاعات المحتدمة دولياً، وذلك في غمرة صعود أقطابٍ دوليةٍ وتراجع أخرى، وانتقالٍ لمركز القوة من الغرب إلى الشرق، ومحاولة رسم نظام عالميٍ جديدٍ لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية،

يمكن القول بأن السياقات التاريخية، وتفاعلات ميدان المعركة، تشي باحتمال وازن بأن يتحول "طوفان الأقصى" إلى طوفانٍ إقليميٍ شاملٍ، فلقد ألقت المقاومة الفلسطينية ببراعةٍ حجراً كبيراً في وسط بحيرةٍ مائجةٍ، لترفع بذلك مستوى الأمواج لدرجةٍ تصيب معها جميع القاطنين على شاطئ البحيرة بالبلل، ستُخرِج المنطقة من حالة المراوحة التي تعيشها منذ قرابة العقدين من الزمن.

 

عمرو علان ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل