أقلام الثبات
يقوم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بجولة في المنطقة، لحشد التأييد لخطته التي يريد من خلالها دعم اسرائيل وجعلها تستفيد من أحداث 7 اكتوبر، لتهجير أهل غزة، وتصفية القضية الفلسطينية.
وكما في الزيارة الأولى، ما زال بلينكن وإدارة بايدن يصرّون على محاولة الحصول على ضوء أخضر عربي، لخطط، أقل ما يقال عنها أنها كارثية، على الشعب الفلسطيني، بدءًا من التفكير بتهجير جماعي، وصولاً الى مقاربة الجولة الحالية بعنوان "التفكير باليوم التالي".
تباينات الآراء والمواقف بين العرب والأميركيين في الاجتماعات التي عقدها بلينكن، وظهرت الانقسامات الى العلن، حيث أكدت الدول العربية المشاركة (مصر والسعودية والإمارات وقطر بالإضافة إلى الأردن) على موقف موحد في إدانة مواصلة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة الذي أدى إلى سقوط آلاف الضحايا المدنيين، وإدانة ما يقوم به المستوطنون في الضفة الغربية، ورفض التهجير الجماعي للفلسطينيين، وطالبوا بوقف فوري لإطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة، بينما رفض بلينكن وقف إطلاق نار معتبراً أنه سيتيح لحماس إعادة التموضع وتكرار ما فعلت، بحسب تعبيره.
وحده الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبدى انفتاحاً على الحديث في سيناريوهات ما بعد حماس في غزة، حيث أبدى استعداد السلطة لتولي المسؤولية، مشترطاً أن يكون ذلك من ضمن حل شامل، متناسياً أن هناك 150 فلسطينياً قتلهم الاحتلال في الضفة الغربية منذ بداية الاحداث، وتغاضى عن قيام المستوطنين بمهاجمة القرى الفلسطينية وحرق البيوت وسرقة المواشي وتهديد أهلها.
وبالعودة الى فشل بلينكن المتكرر في زياراته للمنطقة، نستطلع أن الأميركيين ما زالوا يقرؤون في نفس الكتب القديمة التي تلعب على وتر التناقضات العربية، والتناقضات المذهبية بين المسلمين، بدون أن يتيقنوا أن الشرق الاوسط تغيّر، وما كان يصح سابقاً لم يعد يصحّ الآن، ونورد بعض الملاحظات:
- لقد تنبّه العرب الى أن العالم يتغير، وكشفت الحرب الأوكرانية أن الغرب لم يعد حاكماً أوحد للعالم بل إن عالم الجنوب بدأ ينهض ليقاوم الهيمنة الغربية. وكانت المواقف التي اتخذتها الدول العربية برفض طلبات زيادة انتاج النفط ورفض المطالب بالمشاركة في العقوبات الغربية على روسيا، دليل كبير على أن الخليج تغيّر أيضاً وأدرك أهمية دوله في نظام عالمي يتغيّر بسرعة.
- يراهن الأميركيون على الاستثمار في الصراع السنّي الشيعي في المنطقة، فبعد أن رفضت كل من مصر والاردن أي مخطط لتهجير الفلسطينيين الى سيناء، طرح الأميركيون مخططاً لنقل أهل غزة الى الانبار العراقية، مقابل أموال ومساعدات، وتحت غطاء "زيادة الديموغرافيا السنية لإقامة توازن مع الشيعة في البلاد". وكان الرد العراقي بالرفض، وخرجت مظاهرات عراقية الى الحدود مع الاردن لرفض أي مخطط لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، ورفض العدوان على غزة.
- كان هناك اعتقاد غربي بأن العرب سيقبلون تصفية القضية الفلسطينية، تحت ستار القضاء على حماس، وذلك بسبب الاخطاء التي ارتكبتها حركة حماس خلال الربيع العربي، حيث يعتبر العديد من الدول العربية أن حماس ساهمت في تقويض أمنهم القومي، وتسببت بمقتل العديد من مواطنيهم، وكانت أداة في مشاريع خارجية. لكن، هذا لم ينجح أيضاً، ورفض العرب الدخول في مخطط إنهاء قضية فلسطين، ووضعوا موقفهم من "حماس" جانباً، لأن أي تصفية للقضية الفلسطينية سيكون وبالاً على جميع الدول العربية والأمن القومي العربي ككل.
في المحصلة، بالطبع هناك لوم وعتب على الموقف العربي الرسمي، الذي لم يستطع أن يكون على قدر تمنيات وتطلعات شعوبه، ولم يستطع أن يواكب حركة أحرار العالم الذين يملؤون الشوارع لمساندة غزة.
لكن، من حق الدول الشرعي أن توازن بين مصالحها المتعددة، ويبدو أن الدول العربية تسعى لحفظ مصالحها الاستثمارية ومصالحها مع الولايات المتحدة، مع الابقاء على خط من الثوابت والمبادئ.
طبعاً يمكن تفهّم مصالح تلك الدول ورغبتها في تحديد ما يناسبها من تقديم الدعم والمساندة للآخرين، مع التنويه بأن العرب الذين تتهاون دولهم في الموقف من العدوان على غزة وتبقي على علاقاتها الجيدة مع اسرائيل، لا يحق لشعوبهم كيل الاتهامات للبنان، والتنظير على اللبنانيين في كيفية دعم القضية الفلسطينية.