"طوفان الأقصى" والحرب الإقليمية والدولية

الأربعاء 25 تشرين الأول , 2023 08:49 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

مع توسع الجرائم الصهيونية في غزة إثر الهزيمة الاستراتيجية بعد بدء حرب طوفان الأقصى، خرجت التظاهرات الكبيرة في أغلب الدول العربية للتعبير عن أملها المتجدد في مواجهة الهزيمة الداخلية المتراكمة منذ عقود، على الرغم مما تمَّ إنجازه منذ أن تم تفجير مقر المارينز الأميركي 1983، وغلبت الشعارات العاطفية في كثير من التظاهرات التي تدعو إلى تحرير منطقة الجليل شمال فلسطين المحتلة على الحدود مع لبنان مباشرةً، إضافة إلى الكثير من الأصوات المشككة من دون النظر إلى البيئة الإقليمية والدولية لمكان الحرب.

تُخاض هذه الحرب في أعقد وأخطر منطقة في العالم القديم، وعلى الحدود الفاصلة بين قارتي آسيا وأفريقيا، وفي ساحة عسكرية جديدة للمواجهة بين قوى العالم الناهض الآسيوية والنظام العالمي وحيد القطب، وهي تتويج للمواجهات المتنقلة من الساحة السورية إلى الساحة الأوكرانية، لتنفجر من جديد في فلسطين المحتلة.

تباينَ تعامل قوى النظام الدولي المهيمن مع كل ساحة من الساحات الثلاث وفقاً لأهمية النتائج المتوخاة من كل حرب من الحروب التي تخاض من أجل تثبيت واقع الهيمنة الغربية على مسارات التاريخ والاقتصاد العالمي، لكن المواجهة الأخيرة في فلسطين أخذت بعداً وجودياً للنظام الغربي المهيمن، ما دفعه إلى إظهار وحشيته الكاملة للدفاع عن الكيان الوظيفي الذي أسَّسه في قلب العالم القديم، والذي كان محوراً لحركة التاريخ والحضارات والإمبراطوريات على مدى أكثر من 5 آلاف عام.

تدرك القوى الغربية أن هزيمتها في فلسطين تعني تسارع انكفاء الولايات المتحدة، قائدة ما تسميه "المجتمع الحر"، في مقابل تسارع ظهور قوى النظام الدولي الجديد المتعدد الأقطاب والثقافات والسياسات، ما استدعاها للسلوك الوحشي بتغطية الجرائم الكبرى والمستمرة في غزة والدفع بتوجه حاملات الطائرات والبوارج البحرية الأميركية والبريطانية والإيطالية إلى شواطئ شرق المتوسط، لضبط تطورات الصراع العسكري في فلسطين من جهة، وللتدخل السريع إذا ما اقتضت الحاجة.

ولكن الواضح من مساراتها العامة حتى الآن هو الخشية من توسع الحرب نحو الجوار الإقليمي، والدفع بقوى المحور كي لا تشارك بالحرب بالمستوى الأعلى من الصراع على شاكلة غزة، ومن يقود غرفة العمليات العسكرية، ويحدد لها مستوى الإجرام العسكري والبعد السياسي، سواء للجيش الصهيوني أم للتحركات العسكرية، هو حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة.

وفي المقابل، هناك غرفة عمليات عسكرية مشتركة لقوى المقاومة تتابع بالتفاصيل ما يجري على الأرض ميدانياً على مدار الساعة، وأمامها المشهد الإقليمي والدولي، وهي تعلم أنها تخوض حرباً بمنتهى الدقة والخطورة، خشية الانزلاق نحو حرب إقليمية لا يمكن ضبط حدودها، فإلى الشمال من قوى حلف الناتو البحرية توجد القطع البحرية الروسية، والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس، إضافة إلى أن الصين أرسلت 5 قطع بحرية إلى المنطقة.

أمام هذا الوضع، تتعاطى غرفة العمليات مع الصراع بعقل بارد، وهي التي علَّمتها التجارب المتراكمة ألا تلجأ إلى ردود الأفعال إلا بالقدر المحسوب بدقة، بما يحقق الأهداف المرسومة تبعاً لكل مرحلة من المراحل وما يمكن تحصيله من مكاسب عسكرية وسياسية واقتصادية في مسار طويل من العمل العسكري والسياسي المقاوم على طريق إنهاء النظام الدولي الغربي، بالتآزر مع كل القوى العالمية المتأذية من بقاء هذا النظام الدولي.

وفي الوقت نفسه، هي حريصة على أن تحصد المقاومة في فلسطين أكبر قدر من المكاسب من جهة، بما يخفف الضغوط الغربية الإسرائيلية عن الشعب الفلسطيني، كما أن هذا الانتصار يعطي قوة ثقل أكبر لقوى المحور أمام الغرب بأنها استطاعت أن تغير المعادلة الإقليمية من خلال المقاومة الفلسطينية.

تقوم غرفة عمليات المقاومة بالتصعيد التدريجي لعملها العسكري في شمال فلسطين المحتلة، بما يشغل الجيش الصهيوني ويشتّت قواه العسكرية، منعاً لتركيزها للاستفراد بالمقاومة في غزة، ولتهديد حلف الناتو بتوسيع دائرة الحرب على مستوى كامل الشمال الفلسطيني والجولان السوري، وهي ما زالت مستمرة بالمواجهات العنيفة ضمن شريط لا يتجاوز 5 كم ضمن قواعد اشتباك غير مدمرة للمدنيين. وقد فقدت خلالها المقاومة عدداً ليس قليلاً من الشهداء حتى الآن.

ولا تغيب الساحة السورية والعراقية عن دائرة التصعيد العسكري المقاوم باستهداف القواعد العسكرية الأميركية في مناطق التنف والركبان وكونيكو السورية، بالتزامن مع القواعد العسكرية الأميركية في أربيل وعين الأسد في الأنبار، للتأكيد على وحدة الساحات، بما يدعم المقاومة في فلسطين، ويلجم الاندفاع التدميري الإجرامي الغربي لغزة.

توفر هذه العمليات العسكرية المتزامنة الفرصة المهمة لإعادة توجيه شعوب المنطقة بشكل عام، وشعوب دول المحور بشكل خاص، للخروج من حالة الانقسام الداخلي التي أنهكت دوله وقواه، إن كان بفعل السياسات الداخلية من جهة أم بفعل الوجود الأميركي الذي يؤدي دوراً أساسياً في هذه الانقسامات. من هنا يأتي العمل المتدرج على إخراج الولايات المتحدة من كل منطقة غرب آسيا، وليس إنهاء الكيان الصهيوني فحسب.

في النهاية، لا يمكن الجمع بين العواطف الإيجابية الجياشة والعقل البارد الذي يقود العمل المقاوم، فإنهاء "إسرائيل" مرتبط بإنهاء النظام الدولي، كما أن إنهاء هذا النظام الدولي مرتبط بإنهاء "إسرائيل"، ولا يمكن أن تتحقق هذه الأهداف على يد قوى المقاومة وحدها، بل تحتاج إلى تآزر كل القوى العالمية المتأذية من استمرار الهيمنة الغربية، بإسقاط نظامه المالي المسيطر وهزيمته العسكرية.

 

أحمد الدرزي ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل