مقالات مختارة
– في بدايات المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية قبل سنة، كانت المعادلة الرائجة هي وجود مرشحين جديين غير معلنين هما الوزير السابق سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون. ومنذ ذلك التاريخ، طرحت أسماء وتحركت مبادرات وتشكلت لجان، وأعلنت مواقف، والحصيلة هي أن اللحظة السياسية الراهنة ليست ناضجة، فالأميركي الذي يعيد ترتيب أوراقه في المنطقة، على أساس معادلات لم يتضح فيها بعد موقع لبنان وسقوف مقاربة الملف الرئاسي فيه على أساسه، وليس خافياً أن الأميركي يملك قرار اللجنة الخماسية، ويصادرها ساعة يشاء، ويفتح المجال لهوامش مناورات لأعضائها تحت سقف ملء الوقت الضائع حتى تحين اللحظة المناسبة لا أكثر.
– اللحظة المناسبة لأميركا ترتبط بترتيب أوراق لم ينته، لكن ملامحها تتبلور. فمن جهة بوادر تفاهم عراقي أميركي على انسحاب عسكري أميركي من العراق، يفسّر وحده إعلان رئيس الحكومة العراقي عدم الحاجة لبقاء القوات الأميركية، ما يعني ضمناً الانسحاب من سورية، حيث لا إطار مستقلاً للاحتلال الأميركي ولا بنية تحتية مستقلة. وهذه اللحظة المناسبة أميركياً من بوابة الانسحاب من العراق وسورية على تقاطع مع ثلاثة تطورات، التفاوض مع إيران، حيث الاتفاق الأميركي العراقي يحتاج إلى تفاهم أميركي إيراني يسبقه، ويبدو أنه مهّد له، وهو تفاهم بدأ ويستمرّ، كما يبدو أنه تفرّعات متعددة. أما التقاطع الثاني فهو المسار الصيني في المنطقة الذي انتقل من جنوب المنطقة عبر الاتفاق السعودي الإيراني، الى شمالها من بوابة الشراكة الاستراتيجية مع سورية، وعلاقة ذلك بمسار الحزام والطريق عبر العراق إلى سورية وصولاً إلى تركيا، ما يمنح الانسحاب من العراق وسورية معنى جيواستراتيجياً، ويفتح العين على فرص تبدو قوية لمصالحة سورية تركية، لا بدّ منها للحزام والطريق، ولحدود آمنة بين البلدين تعبرها خطة الحزام والطريق. أما التقاطع الثالث، فهو ما يتّصل بتبريد المواجهة بين المقاومة وكيان الاحتلال، بصيغة تشبه ما جرى بترسيم الحدود البحرية، عبر سحب فتائل التفجير التي يشكّل إيجاد حلول لها بوليصة تأمين لمنع خطر استراتيجي على كيان الاحتلال، من أي مواجهة مفتوحة مع المقاومة، بقدر ما تمثل الأثمان التي على الكيان تسديدها لضمان التبريد ما يصعب على حكومة بنيامين نتنياهو تحمله، وما قد يفسّر الإغراءات التي تعرضها واشنطن على تل أبيب من البوابة الخليجية وتسعى لجذب السعودية إليها، سواء عبر الممر الهنديّ التجاريّ الذي ينتهي في حيفا ويعبر السعودية، رغم كونها وعوداً صعبة التحقيق لارتباطها بصورة أو بأخرى، بمستقبل الصراع الذي يتنامى ويتصاعد في فلسطين.
– انتظار هذه اللحظة أميركياً يستدعي تجميد المسار الرئاسي، مع وجود مرشح رئاسيّ جديّ لدى حلف المقاومة، هو الوزير السابق سليمان فرنجية، ما يعني أن انتظار اللحظة المناسبة يفرض على واشنطن، ضمان عدم امتلاك ترشيح فرنجية فرصة الحصول على أغلبية، وقد أظهر تصويت جلسة 14 حزيران أن تفاهم حلف ترشيح فرنجية مع التيار الوطني الحر يحقق هذه الأغلبية، وبالتوازي منع توفير النصاب لجلسة انتخاب يمكن أن يفوز خلالها فرنجية، وقد ظهر أن تخلّي السعودية عن الفيتو على فرنجية من جهة، وضغط مخاطر بقاء الفراغ الرئاسي من جهة موازية، يضعفان فرص تأمين الثلث المعطل للنصاب من القوى المناوئة لترشيح فرنجية، حيث انتقل بعضها إلى قرار تأمين النصاب رغم قرار عدم التصويت لصالح فرنجية. وفي خدمة هذا الهدف يجب منع التقارب بين التيار الوطني الحر وحلف ترشيح فرنجية من جهة، وخلق فرص تشكيل أغلبية لصالح مرشح منافس، بما يدفع مؤيدي فرنجية إلى تعطيل النصاب. ولهذا تطرح أسماء المرشحين، فكانت وظيفة ترشيح النائب ميشال معوض أصلاً القول تعالوا نسحب فرنجية ومعوض ونبحث عن اسم ثالث، ثم تمّ ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور لأنه يضمن سحب التيار الوطني الحر الى الانضمام الى الحلف المناوئ للمقاومة وخيارها رئاسياً، بدلاً من موقع الاصطفاف الثالث، وبالتوازي يجذب الذين لا يمانعون بتأمين النصاب لجلسة يملك فرنجية فيها فرص تحقيق أغلبية توفر إمكانية الفوز، كاللقاء الديمقراطي وعدد من النواب المستقلين. ومع جولة الموفد القطري، يبدو أن طرح اسم قائد الجيش هو للوظيفة ذاتها، وضع معادلة سحب فرنجية ومعوض، ثم سحب فرنجية وأزعور، ثم سحب فرنجية وجوزف عون، للحفاظ على معادلة إبقاء التيار الوطني الحر في موقعه بعيداً عن حلف فرنجية، وضمان جذب جماعة التوافق والمرشح التوافقي.
– الواضح أن المرشح الجدّي الوحيد حتى الآن، بمعيار أن حلفه يرشحه ليصبح رئيساً، لا طلباً للمقايضة بمرشح منافس بحثاً عن ترشيح ثالث بديل، هو سليمان فرنجية. والواضح أن حلف ترشيح فرنجية نجح حتى الآن ويبدو أنه سوف ينجح أكثر، في كسر معادلات السحب المتبادل، مع الترشيحات الجديدة الساعية للهدف ذاته. وبالتالي على الأميركي أن يرتب أوراقه على أساس أن التفاوض مع سليمان فرنجية هو أقصر الطرق للتفاهم على استحقاقات العهد الرئاسي الجديد، طالما أن هموم الأميركي ومن يمون عليهم هي شيء آخر غير الرئاسة، ومن يريد مفاوضتهم هم مَن يهتمون للرئاسة.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً