خاص الثبات
"هيهات منّا الذلّة".. في كفركلا: مجد الصمود الجنوبي على الحافة الأمامية
وجهٌ من وجوه الصمود الإعجازي الكبير لمعركة أولي البأس ونتائجها، في الصورة، مجلس "هيهات منّا الذلّة" في كفركلا – الحافة الأمامية جنوب الليطاني.
في القرى الأمامية من الجنوب اللبناني، لا يُقاس النصر فقط بعدد الغارات التي لم تُخضع إرادة الناس، ولا بعدد البيوت التي صمدت في وجه القصف، بل يُقاس بما هو أعمق: بمقدار ما بقيت هذه القرى قادرة على الحياة، على رفع الصوت، وعلى استحضار المعنى الحسيني في قلب الجبهة.
كفركلا، التي تقع على تماس مباشر مع العدو، تحوّلت بعد العدوان إلى شاهد حيّ على هزيمته النفسية والمعنوية. ففي المكان الذي أرادوه خائفًا صامتًا، ارتفع صوت "يا حسين"، وفي الزمان الذي أرادوه زمن الانكفاء والانكسار، أُقيمت مجالس العزاء، لا بوصفها طقسًا دينيًا فقط، بل فعلًا مقاومًا، ورسالة واضحة: نحن هنا، على الحافة، نحيا ونروي سيرة الكرامة.
إن إقامة مجلس عاشورائي في كفركلا، في ظل التهديد اليومي والمباشر، هو بحد ذاته إعلان انتصار. هو استمرار للمعركة ولكن بأدوات الوعي والانتماء والرفض. فحين يُرفع الشعار الحسيني "هيهات منّا الذلّة" في بقعة يرصدها العدو ليل نهار، فإن كل مستمع، وكل نادب، وكل دمعة، تتحوّل إلى موقف سياسي وميداني يقول: لم تنتصروا، ولن تنتصروا.
هذه المجالس، التي تنتشر على امتداد القرى الأمامية – من العديسة إلى مارون الراس، ومن ميس الجبل إلى كفركلا – ليست فقط إحياءً لذكرى كربلاء، بل استحضارٌ لها، وإعادة إنتاج لها في الجغرافيا الحديثة. هي ردّ حضاري وروحي على آلة العدوان، ونوع من المقاومة المعنوية التي لا تقل شأنًا عن أي صاروخ أو خندق.
في كفركلا، حيث الجدار الفاصل يختنق بالخوف، يُقام مجلس أبي عبد الله، وتعلو رايات عاشوراء، لتقول للعدو بلسان التاريخ والجغرافيا معًا:
هيهات منّا الذلّة... فهنا الجنوب، وهنا أولي البأس، وهنا النصر.