لبنان، لقاءات "الحزب" و"التيار"، بين تدعيم تفاهم وترميم دولة... ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 13 أيلول , 2023 08:42 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

المتابعون للمخاض العسير الذي سلكته "وثيقة مار مخايل" بين حزب الله والتيار الوطني الحر منذ توقيعها عام ٢٠٠٦، يُدركون، أن هذه الوثيقة قد تفرملت عند البند الرابع المرتبط ببناء الدولة.


سنوات مضت، ومن ضمنها كامل ولاية الرئيس ميشال عون، توقَّف الزمن عند البند الرابع المذكور، دون رمي إتهامات تُذكر بالعرقلة بين فريقي التفاهم، بقدر ما بدر من سلبيات خصوم الطرفين، الذين جعلوا من عهد الرئيس عون فرصة مفتوحة للنكد السياسي، واستطاعوا نكاية برئيس التغيير والإصلاح - كونه حليف الحزب - أن يجعلوا أقصى إنجازات عهده أن يُسقط سقف الهيكل على الفاسدين، دون الحاجة الى ذكر هذه الإنجازات التي كان آخرها إقرار كافة القوانين والمراسيم النفطية، واستقدام "توتال" وبدء الحفر، تتويجاً لعهدٍ حَفَرَ بالإبرة ليستمر رغماً عن الكيديات القبيحة.

 وإذا كان البعض يدَّعي، أن حزب الله راعى في تأجيل البت بموضوع البند الرابع الذي يعتبره التيار أولوية، أن الأمر يرتبط بمسايرة شريكه الرئيس نبيه بري حفاظاً على وحدة الثنائي الشيعي، كون الرئيس بري من أبرز رموز السلطة، فإن الواقع أيضاً، أن كلاً من الحزب والتيار كان ملزماً بالشراكة في  السلطة مع الآخرين وبشكلٍ خاص خصوم المقاومة، وأن الحسابات السياسية لم تسمح بأية مقاربة وطنية في بلدٍ طائفيٍّ حتى العظم من جهة، ومُرتهن حتى النخاع من جهة أخرى لجماعة السفارات، وأن المعارضة الشرسة لكل ما شاء إصلاحه الرئيس عون، جاءت من المسيحيين انفسهم، سواء كانوا من القوات أو الكتائب أو المردة لحسابات أضيق من زواريب الزعامات الميليشيوية.

على أية حال، عودة تسخين اللقاءات وتكثيفها بين شريكي "مار مخايل"، ليست لتسطيح الأمور والبحث في مواصفات وإسم الرئيس المقبل للجمهورية، بقدر ما أنها تمحيص عميق لبناء دولة، سواء عبر اللامركزية الإدارية والمالية أو لجهة تأسيس وإدارة الصندوق السيادي، وهذا الصندوق بالذات يحشر الفريقين في خانة تحقيق تقدم، بالنظر الى استحقاق الأشهر المقبلة التي تتفاءل "توتال" بأنها ستحمل للبنان بشرى وجود النفط والغاز، ولا أحد أكثر من الحزب والتيار، لديه حرص "بيّ وأم الصبي" في عملية مباشرة الإستخراج وإدارة وحماية الأموال السيادية من طرف سلطة يجب أن تؤتمن على هذا الكنز القومي.

وقد تكون التطورات الإقليمية لجهة التقارب السعودي الإيراني، انعكست إيجابيات حوارية في لبنان، خصوصا  بين الحزب والتيار، مع تفويض سعودي لقطر بإيصال الرسالة الى اللبنانيين ولو بالقطَّارة، أن دول المجموعة الخماسية بشأن لبنان( السعودية،قطر،مصر،فرنسا والولايات المتحدة) باتت مقتنعة بأن تمرير شخصية الى قصر بعبدا محسوبة على فريق وتغيظ فريقاً آخراً، لن تتمّ في المجلس النيابي اللبناني بواقعه الحالي،  لأجل ذلك تبدلت مهام المبعوث الفرنسي جان إيف لو دريان، من موفد رئاسي فرنسي، الى ناقل لأفكار المجموعة الخماسية، وتم تعويم إسم العماد جوزف عون على حساب سليمان فرنجية، رغم أن الثنائي الشيعي لم يتخلَّ عن فرنجية بعد، إعلامياً على الأقل.

لماذا ارتفعت حظوظ العماد جوزف عون في بورصة الأيام الأخيرة؟ فلأن المجموعة الخماسية توافقت عليه دون سواه لغاية الآن، وإذا كانت هويته "قطرية" كما يعتقد البعض، فإن المملكة السعودية ربما باتت ترى فيه خصالاً مقبولة لديها بالمقارنة مع الآخرين، وقد سبق للمملكة وهي في عزُ إنخراطها بالملف اللبناني عام ٢٠٠٨، أن ارتضت بأن يكون هناك اتفاق لبناني في الدوحة على انتخاب الرئيس ميشال سليمان، رغم أن اتفاق الدوحة لامس جوهر اتفاق الطائف الذي يعتبر أدبياً ملكاً للسعودية، ولا مانع الآن لدى المملكة وسط المصالحات الخليجية، أن تترك الملف اللبناني لقطر بسبب انشغال المملكة بملفات إقليمية أكبر، خصوصاً أن لبنان بسياسييه المختلفين دائماً على جنس الملائكة ليسوا محل ثقة لديها.  

النقطة الثانية لصالح العماد جوزف عون على باقي المنافسين ومن ضمنهم فرنجية، هي داخلية، وليس المؤشر الوحيد عليها أن قائد الجيش التقى مؤخراً نائباً قيادياً من حزب الله، بل أن المسألة أنه بات مرغوباً ومطلوباً من المقاومة وحلفائها، ليس حصراً للقب رئيس الجمهورية، بل كونه أيضاً القائد العام للقوات المسلحة، وتنتظره مهام قيادية في المواجهة السياسية، سواء بعد الذي حصل في الجزء اللبناني من بلدة الغجر، مروراً بما يحصل من تحركات استفزازية إسرائيلية في مزارع شبعا وما قد يحصل حول بقعة التنقيب اللبنانية، إضافة الى المستجدات الحاصلة في مخيم عين الحلوة، وانتهاء بكارثة تدفق النازحين السوريين وسبل وقفها، عبر السيطرة المطلوبة من الجيش اللبناني على كافة المعابر الحدودية مع سوريا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل