مقالات مختارة
– في ظروف مختلفة يمكن لانتخابات رئاسة الجمهورية أن تجد فرص السير بسلاسة ولا تحتاج الى مقاربات معقدة مثل التي نعيش ظروفها، والظروف المختلفة تتمثل بواحد من احتمالات، أن تكون أغلبيات الطوائف الكبرى على الأقل متوافقة على العناوين السياسية الكبرى ولا ترى في وصول خيارات رئاسية تنافسية إخلالاً بالتوازنات التي تحكم العناوين الكبرى فترضى اللجوء إلى المنافسة المفتوحة وتؤمن لها النصاب بالتراضي. وهذا ما لم يحدث بعد، أو أن تكون متفقة على اسم مرشح واحد لأسباب مختلفة فتؤمن له النصاب والانتخاب معاً، مقابل معارضة أقلية، كما حدث مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، او أن يكون انتخاب الرئيس قد ترافق مع سلة متكاملة منها الحكومة ورئيسها وقانون انتخابات نيابية مع التفاهم على سلة تعيينات المناصب الرئيسية في الدولة، كما حدث في انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً.
– في ظروف مشابهة للظروف التي نعيشها، حيث كتلتان كبيرتان تمثل كل منهما لوناً طائفياً طاغياً، تقفان على ضفتين متقابلتين من القضايا والعناوين الكبرى، وتملك كل منهما قدرة تعطيل النصاب، وقد سقطت نظرية تحريم تعطيل النصاب بتهديد فريق علناً باستخدامها وقيام الفريق الآخر باستخدامها فعلاً، تصبح القضية في كيفية تأمين 86 نائباً على الأقل يتفقون على تأمين النصاب والانتخاب. وكل مسعى رئاسي لا يقدم جواباً على كيف سوف يفعل ذلك هو ملء للوقت الضائع بمزيد من الكلام الى جانب الفراغ.
– الوصول إلى التوافق على اسم الرئيس يبدو مشروطاً بتوافق أوسع على برنامج تتبناه كتلة عريضة متعددة طائفياً قادرة على تأمين الـ 86 نائباً للنصاب والانتخاب، والبرنامج يجب أن يضمّ عناوين مثل الاستراتيجية الدفاعية وتطبيق إصلاحات اتفاق الطائف وخطة لعودة النازحين، وخطوطاً عريضة وعناوين خطة نهوض اقتصادية. وهذا ليس برنامج الرئيس كما يقول البعض، لأن لا برنامج للرئيس، طالما لا قدرة له على تحقيقه دستورياً، بمعزل عن إرادة الحكومة والكتل النيابية الواقفة خلفها، بل هذا تفاهم نيابي يسبق التفاهم على الرئيس، بل يخضع اختيار اسم الرئيس لهذا البرنامج لجهة توافق الاسم وصفاته مع المهمات التي يجب أن يسهم عبرها الرئيس في تحقيقها. وهنا بدلاً من توجيه السؤال للرئيس حول برنامجه، توجيه السؤال له حول قبول انتخابه من قبل هذا الائتلاف النيابي لتنفيذ هذا البرنامج. ومثلما ان لا شيء يقيد الكتل بالتوافق على برنامج ائتلافي وتسمية مرشح رئاسي، لا شيء يقيدها أيضاً بالتوافق على اسم مرشحها لرئاسة الحكومة، وترشيحاتها لبعض المناصب الكبرى في الدولة. فهنا يجري الحديث عن الكتل النيابية مشروعاً ومباحاً ومفتوحاً، وليس عن تعهدات رئاسية مناقضة للدستور.
– من موقع القوى الواقفة في شبه الوسط، تحت عنوان طلب التوافق الجامع، أن تترجم هذا الموقف بمسعى لتحقيق هذا التوافق، عبر وضع سلتين متقابلتين من الأسماء، يتصدّرها اسم مرشح لرئاسة الجمهورية في كل سلة، فتكون هناك سلة ترشيح سليمان فرنجية وتقابلها سلة ترشيح جهاد أزعور مثلا، وفيها مشروع دعوة للتوافق بين الكتل المكونة للائتلاف النيابي المنشود على تسمية فيصل كرامي مثلاً لرئاسة الحكومة إذا فاز جهاد أزعور برئاسة الجمهورية والذهاب لتسمية نواف سلام اذا فاز فرنجية بالرئاسة، ويكون التوافق على توفير النصاب للتنافس بين السلتين، طالما أن كل طرف لا يشعر بالخسارة من أي من السلتين، وطالما أن البرنامج واحد متفق عليه، وهذا يفترض أن يعني في روزنامة التيار الوطني الحر نسخة مما كان يسمّيه بالخيار الثاني، أي الاتفاق على المشروع بمعزل عن اسم الرئيس.
– في حالتنا الراهنة، يقف التيار الوطني الحر مع 17 نائباً واللقاء الديمقراطي مع 8 نواب وكتلة لبنان الجديد مع 8 نواب، أي مجموع 33 نائباً تحت عنوان الدعوة للحوار والتوافق، ووجود 6 نواب ملتزمين بتأمين النصاب في كل الأحوال إضافة لنواب غيرهم في اصطفافات مختلفة، وتستطيع كتلة شبه الوسط هذه قيادة مسعى يترجم بمبادرة بين هذه القوى لبلورة عناوين البرنامج الذي تعتقد أنه يلبي الحد الأدنى من مستلزمات المرحلة المقبلة، ومعه قبول نظرية السلتين، ومخاطبة الباقي من الاصطفافين المتقابلين، أي 34 من مؤيدي أزعور هم كتلة انتخاب معوض، مقابل 51 انتخبوا فرنجية، بالدعوة للحوار على أساس هذه المبادرة.
– اذا لم تفلح الدعوة للحوار على مثل هذه المبادرة، تفك الكتل المعنية علاقتها بالجهة التي ترفض هذا الحوار، الذي ليس بالضرورة حواراً على طاولة واحدة، وبعدها اما ان تنجح بإحداث اختراق توافقي جامع، أو تنحاز الى التفاهم الذي تنجزه مع إحدى الضفتين المتقابلتين اذا ضمنت عبره تأمين الـ 86 صوتاً اللازمة للنصاب والانتخاب، أو تجد أنها مضطرة أن تتبنى الحل الوحيد الذي يبقى دستورياً وهو تقصير ولاية مجلس النواب والذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة، حيث يتمكن الناخبون من إعادة النظر بالذين انتخبوهم نواباً، إما عبر تزكيتهم بسبب خياراتهم الرئاسية أو بتبديلهم للسبب نفسه، فإما أن ينتج عن الانتخابات مجلس نيابي قادر على انتخاب رئيس، وهذا هو المطلوب، أو إعادة إنتاج الاستعصاء، فيكون الفراغ هو خيار الشعب اللبناني بكامل وعيه وإرادته الحرة.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً