أزمة نظام لا أزمة رئاسة ــ عدنان الساحلي

الجمعة 30 حزيران , 2023 11:31 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يكتشف اللبنانيون حقيقة النظام الذي يحكمهم، كلما تفجرت إحدى أزماته، حيث يلفق له رعاته حلولا ترقيعية، لإطالة عمره بانتظار إنفجار تالي، يعيد فضيحة مدعي "السيادة والحرية والإستقلال" إلى الواجهة، باعتبارهم مجرد حكام وكلاء عن الأجنبي، في نظام وظيفي إستنفذ أغراضه وبات خارج الخدمة.
وتكشف أزمات تجديد شخصية رئيس الجمهورية كل ست سنوات، أن نظام المحاصصة الطائفية، الذي أنشأه الإنتداب الفرنسي منذ مائة عام، كتسوية لتغطية فئوية وعصبوية هذا النظام، إستلزم وضع مساحيق سميكة على وجهه، إستهلكها الزمن وباخت، فبان وجه النظام وأركانه مجرد عجوز يستجدي الدعم والمساعدة من الخارج، يعجز عن حل أزماته بنفسه؛ بل تعجز "فاعلياته" عن الإلتقاء والتحاور، للتفاهم على حلول لمشاكل شعبه، بما يخفف معاناته ويوقف نزيف هجرة السكان، الذي لم يتوقف منذ أن قرر احدهم أن جبل لبنان الصغير، يصلح لأن يكون مشروع وطن، بعد تكبيره بشكل مفتعل؛ وبالفرض وبقوة جيش المستعمر الفرنسي، لا بالقبول الشعبي أوالمصلحة والإقتناع، في تشابه في الفكرة وفي الوظيفة وفي تطابق المرحلة الزمنية، مع مشروع إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
ويعرف اللبنانيون، أن أزمة إنتخاب خلف للرئيس السابق ميشال عون ليست جديدة عليهم، فمنذ أن غادرت جيوش الإنتداب الفرنسي لبنان عام 1946، لم يأت رئيس جديد للبنان إلا بعد مشكلة. كان المستعمر الفرنسي هو الذي يعين الرؤساء خلال وجوده. وبعد رحيله لم يغادر رئيس المرحلة الإستقلالية بشارة الخوري منصبه إلا "بثورة بيضاء"،  من منتصف ر ئاسته المجددة عام 1943 التي  وضعت أيضا  حدا لفساد شقيقه السلطان سليم، الذي تصرف بواقعية مع الكيان اللبناني المفتعل، باعتباره مزرعة توزع أنصبتها محاصصة على زعماء الطوائف والنافذين فيها، كل حسب الوكالة والدور والحجم المخصص له. ولم يكن "للشعب" أي دور في هذا المجال، اللهم سوى الإنسياق إلى صناديق الإقتراع كل أربع سنوات، لإسقاط ورقة لا قيمة لها، لأن أجهزة الحكم كانت تقرر مسبقاً من هو الفائز ومن هو الممنوع من الفوز.
هذا النظام الطائفي الذي إرتكز على محاصصة، تبين أنها كمؤشر حالة الطقس، تتقلب كلما تبدلت التوازنات الإقليمية أو الدولية، فتعكس حالها على توازنات الداخل وتخلط الأوراق، في إنتظار تسوية برعاية خارجية تعيد توزيع الأنصبة والأدوار.
فاي نظام هذا وأي ديموقراطية كاذبة هذه، التي ينام فيها حميد فرنجية ضامناً أنه سيكون رئيساً للجمهورية، فإذا بتسوية الخارج تأتي بكميل شمعون  رئيساً. أو حين ينام  عبدالعزيز شهاب  على أساس أنه سيكون الرئيس في صباح اليوم التالي، فإذا بقرار الخارج "ينتخب" شارل الحلو رئيساً! وأي إنتخابات هذه، التي كان يمكن فيها إعتبار إنتخاب سليمان فرنجية (الجد) غير دستوري، باعتباره لم يحقق شرط الثلثين، بل إنتخب بفارق صوت واحد، لكن لحسابات معينة جرى القفز عن الدستور. وأي سيادة هذه التي إنتخب فيها بشير الجميل وشقيقه امين، تحت رعاية دبابات الغزو الصهيوني وبحراستها! أو تلك التي كانت تجري في ظل وجود قوات الردع العربية.
وأي نظام هذا الذي تحمل فيه مراجع طائفية لوائح باسماء مرشحين لرئاسة الجمهورية، تدور بها على العواصم الأجنبية المتحكمة بالقرار اللبناني، لأخذ موافقتها على وصول هذا أو ذاك إلى كرسي قصر بعبدا؟ أو أن يجول المرشحون على واشنطن والرياض وباريس وغيرها من العواصم، لنيل دعمها، بما يجعلها تشير على أتباعها من "ممثلي الشعب" بانتخاب هذا أو ذاك؟ وهل بقي شيء في حمأة صراع المسترئسين، لشعارات السيادة والحرية والإستقلال، ام هي مجرد إدعاءات كاذبة وباطلة؛ وتعابير جوفاء سرعان ما يتخلون عنها، على أعتاب السفارات وعلى أبواب أصحاب القرار في دول الهيمنة والتسلط العالمية.
مرة جديدة يكتشف اللبنانيون أن مشكلتهم هي مشكلة نظام وليست خلافاً على من يكون الرئيس. وأنهم، كشعب، ليسوا أصحاب القرار في إدارة شؤون بلدهم. وأبلغ دليل على ذلك أن هناك من يرفض الحوار الوطني لحل الإستعصاء الرئاسي الحالي. فهذا الحوار سيغلّب بالطبع التوازنات الداخلية، في حين أن رفض الحوار، هو إستمرار لرهان الإستقواء بالخارج، لكسر التوازنات الداخلية وفرض تسوية مرحلية بقرار وبقوة الخارج، سرعان ما تنفجر عند أي خلاف حول إسم رئيس الحكومة أو المحاصصة الوزارية.  
والمستغرب، أن كل هذا الخلاف والسجال الذي يرافقه، لم يدفع "القوى الفاعلة" لتتذكر أن أكثر ثلاثين عاما مرت على إتفاق الطائف، الذي لم تنفذ أبرز بنوده، في إخراج البلاد من سياج مزرعة الطوائف، إلى رحاب وطن الإنسان. فالتمسك بالصيغ القديمة هو مشروع حرب تتجدد كل عقد أو اكثر، بما يدفع اللبنانيين الى الهجرة التي تستنزف عائلاتهم، حيث يهيمون في الغربة بحثاُ عن لقمة عيش وعن وطن يعاملهم كبشر وليس مجرد رقم في طائفة. والغاء الطائفية حسب نص الطائف، يفتح أبواب مشاركة اللبنانيين في إختيار حكامهم، من خلال الخروج من الصيغ المعلبة إلى إعتماد قرار الشعب في إختيار ممثليه، بدءاً من رئيس الجمهورية، عبر الإقتراع المباشر. فهل يقبل المكابرون بهذا المسار الطبيعي، قبل أن يتيقن اللبنانيون أن كيان "وطنهم" مشروع فاشل.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل