لبنان، من أوهام التقسيم والفدرلة الى خيبة اللامركزية الإدارية ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 26 نيسان , 2023 09:53 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

خلال استقبال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لوفد الهيئة التأسيسية لمنتدى التفكير الوطني بمناسبة 13 نيسان، وبعد تهنئته للوفد على فكرة تأسيس هذا المنتدى، أجرى الراعي مراجعة عناوين شفهية لطروحاته، ومن ضمنها التأكيد على صورة لبنان الحقيقية كوطن التنوُّع وحوار الحضارات، واعتبر أن تأسيسه هو أجمل هدية في زمن الأعياد المقدسة.

وفي سياق حديثه، تطرَّق الى طروحات الفيدرالية في لبنان التي لم يأتِ على ذكرها اتفاق الطائف، وأيَّد اللامركزية الإدارية التي يُطالب بها المنتدى وقال: "فلنطبِّق اللامركزية ولنعتبر الفيدرالية طرحاً أو مقولة ساقطة".

ومن منطلق "أن تأتي متأخراً أفضل من أن لا تأتي أبداً"، لا بد من التنويه بموقف الراعي، ولو أن اللامركزية الإدارية ليست حاصلة غداً، خصوصاً أن البلديات التي هي إحدى أهم مداميك اللامركزية قد تمّ تأجيل انتخاباتها سنة إضافية، ومعظم مجالس بلديات لبنان ذات الوزن بحالة تفكك واستقالات وفقدان نصاب قانوني وفي عهدة القائم مقامين.

ولعل أهم ما في طرح اللامركزية الإدارية من عمق المجتمع المسيحي ومن بكركي بالذات، يٌبدد ويُبيد على الأقل أوهام الكانتونيين والتقسيميين ودُعاة الفدرلة، ومَن ينسحب خلفهم من المسيحيين الذين لا يدركون أن التقسيم مذابح، والفدرلة خرائط من ورق غير قابلة للتطبيق، وأن اللامركزية الإدارية هي أمر تنظيمي لشؤون المواطنين ضمن مناطقهم، لكن العقبة الوحيدة أمامها هي السلطة المركزية الحالية التي تنعم بالفساد المركزي، ولا أمل بتحقيق اللامركزية قبل رحيل الفاسدين من مراكزهم.

والعتب على بكركي بصرف النظر عن شخص البطريريك، أنها تركت دُعاة التقسيم وإقامة الكانتون المسيحي على غاربهم في الهلوسة، دون أن تحسب حساب مصير مسيحيي الأطراف، وكيفية جمع المسيحيين من عكار وزغرتا في أقصى الشمال مع مسيحيي القليعة والرميش في الجنوب مروراً ببشري وزحلة والبقاع الغربي، إلا إذا كانت الدويلة المسيحية هي حصراً بين جبيل وكسروان والمتن، وتتمّ لملمة مسيحيي الأطراف عبر الفرز الطائفي الديموغرافي في معارك دموية.

وإذا كانت الفدرلة هي الخيار الثاني أو الخطة (ب) لدى التقسيميين، فإنها ستكون على قاعدة تنظيم جغرافي مناطقي لصالح الغالبية السكانية في كل محافظة، وهنا السؤال الأهم، ماذا بقي من مسيحيين يعيشون صيفاً شتاء في مناطقهم من عكار الى باقي الشمال مروراً بالشوف والبقاع وبلدات جزين وصولاً الى مرجعيون، وماذا بقي من بلديات ومخاتير بأيدي المسيحيين في الأطراف، وغالبية لوائح الشطب باتت من المهاجرين بين الأميركيتين واوستراليا، أو القاطنين بين المتن وكسروان وبالكاد يزورون قراهم مرة في السنة لقطاف ما بقي من مواسم الزيتون في أراضيهم المهجورة؟.

وحتى لو تم تطبيق اللامركزية الإدارية يوماً، فإن الإمساك بزمامها في المناطق لن يكون بأيدي المسيحيين في مناطقهم، التي لم يبقَ لهم فيها سوى الأرزاق السائبة والحجر المهجور، وعدم مساعدتهم للبقاء في أرضهم حتى عبر مشاريع صغيرة، جعلهم يبيعون ما ورثوه عن الأجداد والآباء "بتراب المصاري" لشراء شقة بحجم علبة سردين في المتن وكسروان، وبالتالي باعوا مع أرضهم قيمة وجودهم وحجم تمثيلهم في قراهم التي لم تعد أكثر من "ويك إند" أو صندوق اقتراع أو مدافن وليس أكثر! نعم، منذ سنوات، ناقشت صديقاً خلال تهنئتي له بفوزه بعضوية الرابطة المارونية، حول البنود العشرين التي وضعوها في برنامجهم الإنتخابي، وخصوصا ما يرتبط بتعزيز صمود الوجود المسيحي في أرياف الشمال والبقاع والجنوب، والحدّ من هجرتهم الى بيروت، عبر دعم الزراعة والصناعات الحرفية الخفيفة، فأجابني حرفياً: يا صديقي نحن لسنا أكثر من "لجنة برستيج" وبياناتنا ليست أكثر من حبر على ورق كما بيانات النواب، وهذا الجواب نضعه بعهدة البطريرك الراعي في تقييمه للواقع المسيحي في أطراف الوطن، كي يدرك الدور التمثيلي الكرتوني لبعض الجمعيات والروابط التي تحسب نفسها على بكركي في مقاربة الواقع المسيحي. وعندما زلّ لسان الرئيس نجيب ميقاتي بالقول أن المسيحيين يُشكٍّلون 19% من عدد اللبنانيين المقيمين، جاءه الجواب من بعض القيادات المسيحية أن أرزاق وممتلكات المسيحيين تضاهي نسبة 80% من مساحة لبنان ولكن، ما نفع السهول والوديان والأملاك المبنية التي يمتلكها المسيحيون في بلداتهم البعيدة التي هجروها لأكثر من سبب، وهي اليوم إما معروضة للبيع بأبخس الأثمان أو "موضوعة اليد عليها" ويستثمرها سواهم بالمجان؟!.

عذراً، عذراً من كل قارئ، لأننا لا نتناول الوضع المسيحي في لبنان من منطلق طائفي بل من منطلق حقوقي إنساني، وليُدرك المسيحيون أن زمن البطريرك الحويك لن يعود، بصرف النظر عن هوية أي بطريرك حالي أو مستقبلي في بكركي، لأن الظروف كلها قد تغيرت، ولا نُطالب ببطريرك شبيه بالحويك ولكن، كفى رؤية أوضاع المسيحيين من فوق، لعدم إمكانية ملامسة جروحهم من أعلى جبل حريصا حيث هم في سهول عكار والبقاع والجنوب أو من بقي منهم هناك، وإذا كان التقسيم بنظر غالبيتهم موتاً لهم ولشركائهم في الوطن، والفدرلة "ضحك على ذقونهم" فإن اللامركزية الإدارية هي الطرح الأدنى المقبول لهم ولسواهم تحت سقف المواطنة، متى استطاعت هكذا دولة حماية الوجود المجتمعي لكل الأقليات، وتأمين إنتخابات بلدية على أقل تقدير تمهيداً للامركزية الإدارية...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل