أقلام الثبات
عادت سورية الى الواجهة بعدما أعلن أردوغان نيّته القيام بحملة عسكرية في الشمال السوري، لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كلم، يهدف من خلالها الى التخلص من الخطر الارهابي (كما سمّاه)، وإعادة نحو مليون سوري بشكل طوعي إلى بلادهم، أي إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الأمنية التركية في شمالي سورية، وذلك عبر إنشاء تجمعات سكنية في المناطق التي تمتد من بين مدن اعزاز وجرابلس والباب، وصولاً إلى مناطق تل أبيض وعين عيسى، من خلال انشاء نحو 250 ألف وحدة سكنية ومدارس ومستشفيات ومعامل وبنى تحتية للعيش.
وعلى هذا الأساس تحرّك الإيرانيون (باعتبارهم أصدقاء لكل من سورية وتركيا) لتقريب وجهات النظر بين الطرفين وتأمين حلّ سياسي يجنّب منطقة الشمال السوري عملية عسكرية تركية، فكانت مبادرة وزير الخارجية الايراني أمير عبد اللهيان الذي زار تركيا وسورية للقيام بوساطة، ثم قمة طهران التي وضعت سورية بنداً أول على جدول أعمالها.
وكما كان واضحاً من مبادرة عبد اللهيان ونتائج قمة طهران، أن إيران تسعى الى الاستفادة من التبدل في الموقف التركي تجاه سورية، حيث قال عبد اللهيان في دمشق أن "الأتراك باتوا يفضلون المسار السياسي مع دمشق"، وأن إيران تسعى الى "تحسين العلاقات بين سورية وتركيا، باعتبارهما دولتين تربطهما علاقات مهمة مع إيران."
التقارير الاعلامية أشارت الى أن المبادرة الإيرانية تقوم على أساس ترتيبات سياسية بين تركيا وسورية تقوم على أساس: حلّ المشاكل الحدودية، معالجة ملف الكرد، وانهاء وجود المجموعات الارهابية في شمال سورية، مقابل ليونة سياسية دبلوماسية بين البلدين.... وصولاً الى تحقيق تسوية نهائية بين البلدين.
وبالتزامن، يُطرح على بساط البحث موضوع عودة سورية الى الجامعة العربية، في ظل أجواء تتحدث عن أن الأمور غير ناضجة بعد لتلك العودة، وأن لا توافق حولها بين الدول العربية في الوقت الحاضر.
يطرح هذا التراجع العربي بعد الترحيب، مسألة الضغوط التي يمكن أن تمارسها الإدارة الأميركية على الدول العربية، لتأجيل تلك العودة، قبل الحصول على العديد من التنازلات (التي قد لا يمكن لدمشق تأمينها).
ولا شكّ أن بيان قمة طهران الذي تحدث عن ضرورة إنهاء الوجود الأميركي في الجغرافيا السورية، لن يمر مرور الكرام بالنسبة للأميركيين، فإلى أي مدى يمكن أن يكون هناك تسهيل أميركي لعودة اللاجئين السوريين الى بلادهم وقيام الدول العربية بالانفتاح على سورية ومساعدتها لتخطي عقوبات قانون قيصر؟.
وهنا، يطرح على بساط البحث مسألة الخيارات المتاحة في ظل المشهد المعقّد، والحاجة الى فتح أبواب التسويات تمهيداً لبدء إغلاق ملفات الحرب:
- الأكيد أن الايراني يحبذ تسوية سياسية بين سورية وتركيا ولكن من الأفضل لسورية أن تبدأ التسوية مع العرب أولاً، وخاصة مع السعودية وهي الباب لعودتها الى الجامعة العربية، وذلك لما للدول العربية من قدرة على المساهمة في إعادة الإعمار في سورية، وقدرتهم على تسهيل العديد من الملفات العالقة المرتبطة بالمنطقة ودول الجوار.
- الأكيد أيضاً أنه من الأفضل للعرب أن يكونوا السبّاقين لإعادة سورية الى موقعها الطبيعي، وذلك لأن تقاعسهم عن ذلك سيجعل إيران وتركيا الباب الوحيد المتاح لسورية لتسويات ما بعد الحرب، وهو ما سيضرّ بالنفوذ والمصالح العربية، وسيعطي أسبقية للنفوذ الإيراني في سورية (وهو ما يقول العرب أنهم يريدون تقليصه).