الثبات - إسلاميات
أوصاني شيخي:
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين}سورة آل عمران-الآية 159، وقال أيضاً: {وَلَا تَمْشِ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولًا} سورة الإسراء-الآية37، وقال أيضاً: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} سورة لقمان-الآية 12.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعِزَّةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي النَّارَ"))، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ((لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلًا، وَرَأْسِي دَهِينًا، وَشِرَاكُ نَعْلِي جَدِيدًا، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، حَتَّى ذَكَرَ عِلَاقَةَ سَوْطِهِ، أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لَا، ذَاكَ الْجَمَالُ، إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ، وَازْدَرَى النَّاسَ))، وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: ((كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ قَعَدَ عَلَى شَفَتِهِ، فَجَعَلَ يُرَدِّدُ بَصَرَهُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: " يُضْغَطُ الْمُؤْمِنُ فِيهِ ضَغْطَةً تَزُولُ مِنْهَا حَمَائِلُهُ، وَيُمْلَأُ عَلَى الْكَافِرِ نَارًا "، ثُمَّ قَالَ: " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ اللهِ؟ الْفَظُّ الْمُسْتَكْبِرُ، أَلَاأُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ عِبَادِ اللهِ؟ الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ ذُو الطِّمْرَيْنِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّ اللهُ قَسَمَهُ)).
ويقول الشاعر:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يرفع نفسه إلى طبقات الجوّ وهو وضيع
لقد حرص الإسلام على التواضع، ودعا إليه الناس عموماً، والمسلمين خصوصاً، كما ذمّ ديننا الحنيف الكبر والمتكبرين؛ لما لهذه الصفات من نتائج سلبية تنعكس على المجتمعات. ويعتبر الكبر من أخطر الأمراض في المجتمعات، وهو مرض خطير ينتشر بسرعة بين أبناء المجتمع؛ وذلك بسبب غياب تقوى الله سبحانه وتعالى والخوف منه، لذا ينبغي أن يدرك الجميع العواقب، فالكل مفارق هذه الدنيا ولن يبقى لنا إلا حصاد أعمالنا، لا المال يبقى ولا الأبنية ولا الصروح؛ تواضع وازرع الودّ والحب، وانزع البغض والغلّ من قلوب الآخرين، وارسم ابتسامة على وجوه المكلومين في هذه الدنيا، والمصائب كثيرة في زماننا.
لاحظنا أن هناك العديد من الآيات والأحاديث التي مرت معنا تنهى عن الكبر وتحذر منه، وتدعو إلى التواضع بين الناس، وهذا ما أوصاني به شيخي رحمه الله تعالى، فكان الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري رضوان الله عليه متواضعاً أيما تواضع، ومع أنه كان مؤسس وعميد كلية الدعوة الجامعية إلا أنه يجلس في الطابق الأرضي من البناء، ويبقى بابه مفتوحاً لكل من يريد أن يسأل في فتوى أو أي أمر شرعي، ولا يرد أحداً قط، وهذا نهجه طيلة خمس سنوات عرفت الشيخ بها، بل كان لا يهنأ في طعام إلا مع طلاب العلم، سواء في مكتبه أو في ساحة الكلية أو في المطعم التابع للمؤسسة، أمّا خارج المؤسسة، فلا مرافقة ولا مواكب ولا سيارات كثيرة، بل هي سيارة واحدة يقضي بها حوائجه، ويتنقل بها ما بين بيته ومؤسسته التعليمية، ولا يكترث لهذه الأمور ولا يفكر بها، وعندما يطلب منه وضع حراس إلى جانبه، يرد غاضباً ولماذا الحراس؟ لماذا تعلمت وشيدت وأسست؟ أمن أجل أن أعتزل الناس وأحجب عنهم؟، هكذا علمنا وربانا، وكان يدعونا في كل صباح، يسأل عن أمورنا وأمور أهلينا، وبالأخص في ظل الحرب على سوريا في الآونة الأخيرة، ومن ثمّ يأتي بشيء من العسل ويطعمنا واحداً واحداً بيده، ولا يقبل غير ذلك، وهذا لا يكون إلا من معلم مربٍّ مأدب، عرف الحياة وصعابها، فعامل الناس أحسن معاملة، لا غير ذلك، مع أنّ السلطة موجودة، والجاه موجود، والمال موجود…