أقلام الثبات
لاريب أن إعادة الإنفتاح الرسمي اللبناني على سورية، وتفعيل مجمل العلاقات الثنائية بين بيروت ودمشق، بات حاجةً ملحةً للبنان، خصوصاً في هذه الظروف الإقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها، هذا ما أكده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حديثٍ أدلى به الأسبوع الفائت، حيث أقر أن سورية هي منتفس إقتصادي للبنان. وهنا تؤكد مصادر سياسية مطلعة على أجواء رئيس الوزراء اللبناني، أنه بات جاهزاً لتفعيل العلاقات المذكورة، بل ذهب أبعد من ذلك، فقد إتخذ الخطوات التمهيدية المطلوبة لسلوك طريق الشام، من خلال تكليفه رسمياً في مجلس الوزراء لوزير الأشغال والنقل علي حمية، بالتنسيق مع الجانب السوري، من أجل تنشيط حركة النقل التجارية (الإستيراد والتصدير) و الترانزيت عبر الحدود اللبنانية- السورية، كذلك للبحث في كيفية إعادة تفعيل حسن إدارة بعض المصالح المشتركة بين الجانبين اللبناني والسوري، وفقاً لمصالح البلدين الجارين. وتلفت المصادر عينها الى أن التنسيق الرسمي بين بيروت ودمشق، أضحى مطلباً دولياً، وشرط من شروط صندوق النقد الدولي لمنح لبنان القروض المالية، التي يحتاجها راهناُ. وتسأل كيف يمكن للبنان الإستجابة لمطالب "صندوق النقد" في شأني ضبط الحدود ومنع التهريب، وتحسين الجباية الجمركية، من دون التنسيق مع دمشق، تختم المصادر.
وتعقيباً على ما ورد آنفاً، يعتبر مرجع في فريق المقاومة أن ميقاتي حاول من خلال الإندفاعة الحكومية الأخيرة نحو سورية، إثر تكليف الوزير حمية رسمياً، زيارة دمشق والتنسيق معها، بأن ينأى رئيس الوزراء اللبناني بنفسه عن العلاقة مع الجارة الأقرب، في إنتظار صدور تعلميات أميركية أكثر وضوحاً في هذا الشأن، رغم تكليف الأردن بإبلاغ الجاتب اللبناني، برفع "الفيتو" الأميركي عن إعادة إقامة العلاقة مع سورية، وهذا ما أكده رئيس الوزراء الأردني يشر الخصاونة للمسؤولين اللبنانيين، خلال زيارته بيروت في الأيام القليلة الفائتة، ودائماً بحسب معلومات المرجع المذكور. ويشير إلى أن أمام ميقاتي عائقاً أساسياً يمنعه راهناً من سلوك طريق دمشق، وهو فقدان الدعم السعودي لحكومته، فلن يجرؤ على إتخاذ خطوةٍ جريئةٍ تجاه دمشق، قبل عودة العلاقة السعودية مع "الشام"، كي لا ينظر الجانب السعودي الى أي خطوةٍ قد يتخذها رئيس الحكومة اللبنانية تجاه إعادة تفعيل العلاقات مع الجارة الأقرب، على أنها نتيجة خصوعٍ إضافيٍ لحكومته، لإرادة حزب الله، كما تدّعي الرياض، على حد قول المرجع.
وعن تمسك السعودية بموقفها الرافض دعم الحكومة اللبنانية، بقول المرجع عينه: "مادامت السعودية غارقةً في الرمال المتحركة اليمنية، فستبقى متمسكةً بموقفها هذا تجاه لبنان، لأن الرياض تتهم "الحزب" بدعم أنصار الله في اليمن". ويضيف: "غير أن السبب الحقيقي للتخلي السعودي عن لبنان، هو محاولة المملكة الضغط على حزب الله، من أجل إسهامه في تأمين خروج آمنٍ لها من الحرب اليمنية، من دون أن تظهر مهزومةً، على إعتبار أن "الحزب" منضوىٍ في تحالفٍ واحدٍ مع الجيش اليمني وأنصار الله، ولدى "الحزب" تأثير عليهما".
ويختم المرجع بالقول: " بعد إقفال ملف الحرب على اليمن، تعود العلاقة اللبنانية- السعودية الى مجاريها".
وبالعودة الى ملف العلاقات اللبنانية- السورية، يعتبر مرجع إستراتيجي وأكاديمي في العلاقات الدولية، أن الخطوات التي إتخذتها الحكومة الميقاتية في سبيل إعادة تفعيل العلاقات اللبنانية- السورية، لا ترتقي الى مستوى العلاقات الثنائية بين الدول، معتبراً أن الخطوات اليتيمة، مرتكزة الى سياسيةٍ لا عقلانيةٍ، بل هي "أشبه بالتنقير على الطريقة اللبنانية"، على حد تعبيره. ويسأل المرجع: "هل نتوقع إعادة إنفتاح لبنان الرسمي على سورية، على يد مرجع حكومي مطلوب للقضاء السوري؟".
وفي السياق ايضاً، يعتبر مصدر مسؤول في المقاومة، أن الكيد لدى بعض أركان السلطة في لبنان، وخوفهم من الولايات المتحدة، كي لا تفضح سرقاتهم وأموالهم المهربة الى الخارج، يحولان دون عودة العلاقات الثنائية المرتجاة بين لبنان والجارة الأقرب. ويلفت الى أنه بالرغم من إعتراف أركان هذه السلطة، بحاجة لبنان الإقتصادية الى تفعيل العلاقات المذكورة، لايزال بعضهم يكابر ويماطل في إنتظار صدور الأوامر الأميركية- السعودية، بالسماح بعودة العلاقات اللبنانية- السورية الى مجاريها، كما رفضوا التقديمات الإيرانية للبنان، خصوصاً معامل الكهرباء، إنصياعاً للتعليمات الأميركية ايضاً، رغم حاجة الشعب اللبناني الماسة إليها". ويسأل المرجع: " لماذا لا يحذو لبنان حذو الأردن ومصر؟"
وفي سياق متصلٍ، تلفت مصادر في المعارضة السورية الى أن مطار عمان بدأ يأخذ دوراً من مطار بيروت الدولي، لافتةً الى أن شركة الطيران الأردنية (عالية)، تعمل على إستقدام المسافرين السوريين من دمشق عبر الباصات الى المطار المذكور، لذا تحولت وجهة عدد كبير من المسافرين السوريين الى مطار عمّان بدلاً من مطار بيروت، بسبب التسهيلات التي تقدمها السلطات الأردنية للسوريين، في وقت لاتزال السلطات اللبنانية تتخذ الإجراءات المعقدة في حقهم، ولاتزال الحدود اللبنانية- السورية مقفلةً. وهنا يؤكد خبير إقتصادي أن هذا التحوّل نحو مطار الأردن، يؤدي الى خسارة مالية للبنان، كون شركة الطيران، تدفع رسوماً لمطارات الدول التي تستخدمها، وتستوفي هذه الشركات الرسوم من بطاقات السفر المباعة للمسافرين.
ورغم البرودة الحكومية في مسألة تفعيل العلاقات الثنائية المذكورة، يؤكد مرجع حزبي إلتقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منذ وقتٍ قريبٍ أنه مصمم على تعميق علاقات لبنان مع الدول الصديقة، وفي طليعتها سورية، وسيتخذ الخطوات اللازمة لذلك، في الوقت المناسب، يختم المرجع.