أوقفوا جريمة تدمير الأنفاق... وليقصفها العدو _ د. نسيب حطيط

السبت 20 كانون الأول , 2025 08:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
إن مشاهد مداهمة وإحضار الآليات لحفر وتدمير أنفاق ومنشآت المقاومة العسكرية، استجابةً لطلبات ومتابعات "إسرائيلية" عبر الهاتف وربما الفيديو، وعدم تصديق الجيش وإلزامه بإعادة التفتيش حتى ترضى "إسرائيل"، بالتوازي مع قيام الدولة اللبنانية والجيش بجولات إعلامية للصحفيين والسفراء على منشآت المقاومة، لتأكيد إنجاز مطالب "إسرائيل"، يؤذي المقاومة وأهلها وينتهك السيادة والكرامة، حيث تُكلف السلطة السياسية جيشها بمهام لتأمين أمن "إسرائيل"، رغمًا عنه، بدلًا من أن ينجز مهامًا وطنية، كما هو الأصل لتأسيس أي جيش في العالم.
فهل يعقل أن يُدمّر الجيش منشآت المقاومة وأسلحتها، ويُمنع عليه أن يصادرها ويستخدمها؟ 
هل يعقل أن يُفتش الجيش تحت الأرض اللبنانية ليكتشف بندقية أو صاروخًا أو زيًا عسكريًا أو غطاءً لمقاوم أو مُعلبات طعام ليصادرها وينظم حملات إعلامية، بينما لا يرى الجيش "الإسرائيلي" على التلال اللبنانية، وإن رآه، فممنوع عليه إطلاق النار لطرده من أرض لبنان؟ 
والسؤال: هل حوّلت هذه السلطة السياسية مهام الجيش من الدفاع عن الوطن إلى مطاردة وتدمير ومصادرة أسلحة المقاومين لصالح الوطن؟
 إن الاستمرار في تدمير الأنفاق وكشفها وتفجير الأسلحة المصادرة دون السماح للجيش بحيازتها، يتزامن مع إعلان أمريكا و"إسرائيل" تقدمًا في المباحثات السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو واقعٌ ينكره لبنان الرسمي، رغم حصوله، مما يمنح العدو "الإسرائيلي" كل مطالبه السياسية والأمنية والاقتصادية ويُبرئه، خصوصاً بعد إعلانه أن التفاوض مع لبنان لا يعني وقف العدوان على المقاومة وأهلها، ويفصل بين الدولة والمقاومة وأهلها، وإقرار الدولة بذلك عبر متابعة التفاوض وتفجير المنشآت العسكرية، مما يجعل المقاومة وأهلها هدفا للثلاثي الأمريكي - "الإسرائيلي" - اللبناني.
إذا كانت المقاومة لا ترى إمكانية للرد العسكري الآن، فإن ذلك لا يبرّر صمتها وسكوتها واستسلام أهلها، لما تقوم به السلطة السياسية، فاستمرار هذا الوضع سَيحرق كل أوراق القوة المادية والمعنوية للمجتمع المقاوم، ويُجرّده من أي غطاء شرعي أو قانوني، ليصبح هدفاً سهلاً للحرب القادمة التي يُحضر لها العدو الإسرائيلي، بعد سلبه كل ما يملك من أوراق القوة.
 لا بد من التحرك المدني السلمي والسياسي عبر التحركات الشعبية والحزبية والاعتصامات والمظاهرات، لمنع تثبيت المعادلة "الإسرائيلية" التي تفرض ثقافة القبول بالسيئ، للنجاة من الأسوأ، والقبول بالخطر... للنجاة من الأخطر، والقبول بتدمير بيت أو بيتين، أفضل من تدمير الحي.. هذه   الثقافة التي بدأنا نستسلم لها، بقبولنا، بالتفتيش ومصادرة السلاح والذخيرة حتى لا تقصف "إسرائيل"، بينما الأشرف والأفضل لنا، إن لم نستطع الدفاع عن أرضنا، هو أن نمنع الجيش من ارتكاب جريمة تدمير المنشآت، إنقاذًا له من العار والذل، ولتقصفه "إسرائيل" رغماً عنا، لا أن تجبرنا على تدميره بأيدينا وعلى نفقتنا!
 فلنبادر جميعاً، كلٌ وفق إمكانياته، بكلمة، أو بمظاهرة، أو باعتصام، أو بشكوى، حتى لو قصّرت الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات الدينية التي تستنفر كل هيئاتها وعناصرها وإمكانياتها لإجراء انتخابات بلدية أو نيابية، ولا تستنفر للدعوة لإضراب أو مظاهرة للدفاع عن حقوقها وتصرف هذه الجهات في مجتمعها بشكل طبيعي وكأنه لا يوجد احتلال ولا قصف ولا إذلال ولا إهانة، مع إغماض العين عن 100,000 مهجر بلا بيوت في سنتهم الثالثة.
 يبدو أننا بدأنا مرحلة القبول بثقافة الاستسلام للواقع، عبر الاستشهاد بأحداث تاريخية وتفسير بعض الآيات القرآنية بشكل مغلوط، لتبرير تقصيرنا وقصورنا، وتحت شعار الخوف من خسارة ما تبقى!
 إن لم نبادر، للمقاومة السلمية حتى "تتعافى" المقاومة المسلحة، فسنخسر ما تبقى بشكل ناعم وبطيء ومغلّف بالذل والعار مع انه لا يزال باستطاعتنا أن نقاوم ولو خسرنا ما تبقى، لكن مغلّفاً بالكرامة والعزة، فإسرائيل تضعنا بين خيارين، إما أن نُهلك أنفسنا بتدمير قوتنا، أو تقتلنا ونحن مسلحون... فلنختر الموت مع سلاحنا بدل الموت رافعي الأيدي مستسلمين.
يبدو أننا، بعد اجتياح عام 1982، كنا أكثر تمسكاً بالعقيدة وثقافة المقاومة وحب الآخرة وكنا أكثر صفاءً وإخلاصاً وصدقاً، لأننا كنا أشد فقراً، ولا نخاف على دنيانا، أما اليوم، فيبدو أن عقيدتنا ليست بالصلابة التي كانت عليها، وصرنا أكثر غنىً وأموالاً وقصوراً وعقارات وأرصدة في البنوك، وننعم بوجود نواب ووزراء وأصحاب ثروات، لذا نخاف على الدنيا ونستسلم للأمر الواقع، حتى لو كان التطبيع والسلام مُغلّفاً بالواقعية، وسنقول إن الدولة هي التي طبّعت ولم نكن نحن... مع ان الله يعلم ويرى.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل