حادثة تدمُر.. تدمير لأحلام الشرع وأوهام ترامب ــ أمين أبوراشد

الأربعاء 17 كانون الأول , 2025 09:14 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لسنا بحاجة إلى قراءة مستقبل أحمد الشرع الأسود في سوريا، فهو الذي خلع عنه عمامة الإرهاب واستبدلها بربطة العنق، لكن نقرأ للرئيس الأميركي دونالد ترامب ما لا يسمح وقته للاطلاع عليه قبل ارتجال قراراته الزئبقية القابلة للتبديل كما بدَّل الشرع هندامه، سيما أننا نقرأ على ترامب ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز" من عقر الدار الأميركية، عن الجيش السوري الجديد، المطلوب منه مكافحة الإرهاب في سوريا بدعم أميركي، فيما هو جيش فصائلي معظم عناصره من الإرهابيين، ويحتاج الشرع إلى استعارة "آلة كشف الكذب" الأميركية لفحص هؤلاء العناصر الذين دخلوا معه دمشق لإعلان "دولة الخلافة"، ووجدوا أنفسهم اليوم أمام رئيس ينقلب عليهم ويُعانق "الكُفَّار" ويتعطَّر بعطرهم.

وقبل الدخول في تحليل "نيويورك تايمز" لبُنية الجيش السوري الذي أسسه ويُؤسس له أحمد الشرع، لا بُدَّ من التوقُّف أمام تظاهرات أتباع الشرع احتفالاً بعملية تدمُر ضد الأميركيين، والشعارات التي أطلِقت خلالها ضد أميركا والغرب "الكافر"، لأن قراءة الشارع الشعبي، حيث التنوع الفصائلي للشعب السوري حالياً، يُعطي فكرة كاملة عن تركيبة الجيش الفصائلي ذي اللون الطائفي الواحد؛ تماماً كما لون التظاهرات المؤيدة للشرع، حيث تغيب تماماً المكونات السورية، باستثناء المنتفعين الطائفيين المحسوبين على النظام الحالي، سواء كانوا من "الدواعش" السوريين أو من الأجانب.

التقرير الموسَّع الذي تناولت فيه "نيويورك تايمز" جيش أحمد الشرع ورد فيه: "بعد قرار حلّ القوات المسلحة القديمة التي ارتبط اسمها بالقمع والانتهاكات على مدى خمسة عقود، تحوّل هذا الملف إلى التحدي الأكبر أمام الحكومة الجديدة، في بلد ما يزال منقسماً سياسياً ومجتمعياً، ويعاني إرثاً ثقيلاً من الحرب والعنف الطائفي، لكن مع اعتماد القيادة الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، على دائرة ضيقة من المقاتلين السابقين في الفصيل الثوري الذي قاده، على حساب ضباط منشقين أكثر خبرة، إضافة إلى أن  آليات التجنيد والتدريب تشمل تعليماً دينياً وتشدداً انضباطياً، مقابل ضعف في التدريب العسكري الاحترافي، وغياب واضح لتمثيل الأقليات الدينية والعرقية".
ويُحذِّر تقرير "نيويورك تايمز" من التداعيات المستقبلية في سوريا ويُضيف أن "بناء جيش على أساس الولاء والعقيدة، لا على أساس لا على أساس الكفاءة والتعددية، قد يعمّق الانقسامات الداخلية، ويقوّض الثقة مع الأقليات، ويعقّد جهود دمج قوات سوريا الديمقراطية، كما يطرح تساؤلات حول قدرة هذا الجيش على التحوٌّل إلى مؤسسة وطنية جامعة، تحمي السلم الأهلي وتمنع تكرار دوامات العنف، في ظل غياب عقيدة عسكرية حديثة قائمة على القانون والمواطنة".

ولعل أهم ما ورد في تقرير "نيويورك تايمز"، اعتراف مسؤول في وزارة الدفاع السورية، مشترطاً عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخوَّل بالتصريح للإعلام، وقال: إن الحكومة لم تقرر إن كانت ستسمح للأقليات بالتطوُّع في الجيش، إلا أن إقصاء الأقليات يهدِّد بتوسيع التوترات الطائفية في سوريا، بعد أن اندلعت مرات عديدة على شكل موجات أسفرت عن عنف دموي خلال العام الماضي.

والمسألة الأكثر خطورة في تركيبة الجيش السوري، وفق "نيويورك تايمز"، أن الأولوية والأفضلية في التطويع هي للراغبين من هيئة تحرير الشام، حتى في تصنيف الرُتب ومنح الترقيات، بصرف النظر عن مستوياتهم العلمية المتدنية، مما يخلق موجات من الامتعاض والتمرد لدى بعض الضباط المنشقين عن النظام السابق والتحقوا بالجيش الجديد، ليجدوا أنفسهم تحت أمرة ضباط غير احترافيين لا يمتلكون سوى خبرات حرب العصابات إلى جانب الولاء لهيئة تحرير الشام والأفكار المتشددة التي تجرعوها من جبهة النصرة سابقاً.
قد يكون من السهل تنقية بيادر قمحٍ واسعة من الزؤان، وتنقية الجيوش من العناصر الفاسدة خُلُقياً وأخلاقياً، ولكن كيف لجيشٍ إيديولوجي تأسس من فصائل تاريخها إرهابي، تنقيته من الذي خلع العمامة وارتدى البزة العسكرية الوطنية من أجل دولة مدنية، وذاك الذي يرفض الدولة المدنية من أساسها؟!

كيف لأحمد الشرع ودونالد ترامب التحالف لطرد الإرهابيين من سوريا، مادام مرتكب عملية تدمر مسؤول في الأمن العام أو الأمن الداخلي، وادَّعت وزارة الداخلية أنها لولا العطلة الأسبوعية لكانت على وشك تسريحه من الخدمة، نظراً إلى أفكاره المتشددة؟ وكيف لاستخبارات أحمد الشرع وكل أجهزة استخبارات "أميركا العظمى" التمييز بين من هو "داعشي تائب" ومن هو "داعشي" لا ينشد التوبة؟!

مهزلة المهازل أن يضع ترامب يده المجرمة لتطهير سوريا من الإرهاب، بيد إرهابي سابق لا يعرف جيشه، وإذا كان الشرع عاجزاً عن حماية اجتماع مغلق وسرِّي في تدمر، كيف له أن يواجه آلاف الأجانب، حتى ولو تحالف ليس فقط مع أميركا والغرب لطردهم بل مع كل أمم الدنيا، طالما لديه في جيشه "دواعش" بنادقهم تُطلق إلى الخلف على السوري والأميركي، وعلى كل مَن يحاول القضاء على حلم "دولة الخلافة"، وسوريا أمام خيارين لا ثالث لهما: سوريا فدرالية بقيادة تشبه مناف طلاس ومظلوم عبدي، أو أحمد الشرع على خارطة ممزقة غارقة بالدماء.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل