أقلام الثبات
تطوي المانيا مرحلة هامة من تاريخها، ما بعد الحرب العالمية الثانية، بمغادرة انجيلا ميركل زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي السلطة بعد 16 عاما حكمت خلالها اقوى اقتصاديات اوروبا، وقد وصفت بالمرأة الحديدية بسبب مواقفها السياسية الحادة احيانا، وبراغماتية احيانا اخرى.
واذا كانت المانيا الهتلرية هزمت في الحرب العالمية الثانية، التي كانت ابرز اسبابها الازمة الاقتصادية العالمية، ولم تخرج من تلك الحرب الا بتقسيمها الى دولتين شرقية كانت في حلف وارسو، وغربية ضمن حلف الناتو، وهذه الاخيرة لم تنهض الا عبر مشروع مارشال الاقتصادي لتتحول الى أقوى اقتصاد اوروبي بفترة وجيزة قباسا الى التدمير الذي لحق بكل بناها، فان خسارة حزب ميركل الصدارة في الانتخابات وفي مناسبة الذكرى الثلاثين لتوحيد شطري المانيا في البوتقة الاطلسية مع انهيار الاتحاد السوفياتي واكبته مؤشرات هامة، جاء ابرزها على لسان ميركل، في خطابها الأخير امام انصارها .
اعتراف ميركل ولو بكلمات غير مباشرة بأن الديمقراطية الغربية المروج لها عالميا فاسدة، ولم تنجح في لم شمل الالمان، أي ابناء البلد الواحد، فالمستشارة المغادرة بعد الهزيمة حضت مواطنيها على على الدفاع بشكل أكبر عن الديموقراطية في مواجهة الغوغائيين، وقالت أن "الديمقراطية تتعرض للهجوم".
وقالت ميركل:"أحيانا نستخف كثيرا بالأمور حين يتعلق الأمر بمكتسبات الديموقراطية، كما لو أنه لم يعد لدينا ما نفعله" للدفاع عنها، مضيفة: "لكننا نشهد في المرحلة الحالية عددا متزايدا من الهجمات"، مقدمة مثالا على ذلك الاعتداءات المرتكبة ضد الأقليات الدينية والإثنية، في المانيا نفسها والمحاولات "الغوغائية من أجل نشر الكراهية والضغينة من دون وازع أو خجل".
حاولت ميركل ان تعطي حلا للاجيال القادمة لحل المسألة، مع عودة النازيين الى البروز، وكذلك القوى المتطرفة، أكان في بلادها، أو أي مكان آخر من العالم حيث تتعرض الديمقراطية بكل معانيها الى سكاكين المتطرفين، ولا سيما في فلسطين، من دون ان تشعر بوخزة ضمير إزاء ما يفعله النظام الصهيوني على ارض فلسطين وبحق شعبها الصابر، وها هي تستعد لزيارة للكيان الصهيوني، في ختام حياتها في السلطة وتقديم جردة في العطايا الالمانية الممنوحة للكيان المغتصب لأرض يُنكل بشعبها كل يوم وعلى مرأى من حكومات المستشارة التي امتدت 16 عاما قدمت خلالها الكثير للكيان ماليا ومن ضمنها تعويضات لم تتوقف، بل زادت في خلال فترة حكمها، بذريعة ما ارتكبه هتلر، وكل هذا يقدم لشذاذ افاق، اعداء الديمقراطية، الذين تقاطروا الى فلسطين برعاية وحماية ودعم "الغرب الديمقراطي"، باسم الديمقراطية، لمنحهم ارضا كوطن، وتشريد وقتل الشعب الموجود على الارض تاريخيا.
لعل الأهم اعتراف ميركل ان" الديمقراطية غير موجودة، ويجب العمل من اجلها"، وكأنه درس في العفاف من شخصية خارج العمل السياسي وقالت ميركل "يجب أن نواصل بناء بلادنا. يمكن أن نختلف حول كيفية ذلك في المستقبل، لكننا نعلم أن علينا إيجاد الحل، علينا أن نصغي إلى بعضنا البعض وأن نتحاور".
ان من يزور فلسطين، على انها اسرائيل، ويشد على ايدي المحتلين، لا يمكن ان يكون ديمقراطيا، ولا يمكنه المحاضرة في العفة، سيما انها الاتية من المانيا الشرقية اصلا، ولم تنجح في تقديم منجز لاكتمال وحدة المانيا، وقد فشلت في تقديم فكرة لايجاد تكاتف شعبي بين ابناء الشطرين السابقين، وكانت الدلالة اللافتة ان حوالي نصف المدعوين الى الحفل الوداعي من شخصيات مرموقة في المانيا قاطعوا الحفل بحيث لم يحضر سوى 180 شخصا من 340 مدعواً.
صحيح ان ميركل قادت بلادها في ظل تطورات خطيرة في العالم، لكنها خفضت راسها لاسرائيل والولايات المتحدة كثيرا، لاسيما بعد اكتشاف التجسس على هاتفها الشخصي والحكومي من جانب الولايات المتحدة، وحاولت عدم الانصياع للابتزاز الاميركي في الشكل، ورضخت في المضمون، ما جعلها عرضة للانتقادات ولعل أبرزها من الشرائح الشابة التي رأت ان ميركل طوال فترة حكمها لا تريد التغيير، او التطور، وانما البقاء على حالة المرواحة، وبالتالي فشلت في تقدم المانيا، حيث توجد عدة قواعد اميركية هي الابرز والاعتى في العالم .