مجلس المصارف وحكومة صندوق النقد ـ عدنان الساحلي

الجمعة 01 تشرين الأول , 2021 03:10 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات 

يحلم اللبنانيون بعودة أحوالهم إلى ما كانت عليه قبل 17 تشرين الأول 2019. التي كانوا يشتكون من سوئها بدورها. فيما يتكفل تقسيمهم طوائف وعصبيات بمنع ترجمة غضبهم إلى فعل مؤثر، رداً على ما فعلته بهم كارتيلات ومافيات تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، من تجويع وإفقار وسرقة لأموالهم المودعة في البنوك، في تلاق غير بريء مع سلسلة العقوبات والحصار التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية عليهم، للضغط على سورية ودعم الحرب التي تشن عليها لتخريبها، من جهة؛ ولملاحقة حزب الله خدمة للصهيونية حيناً آخر. وفي كل الحالات يتم خنق لبنان واللبنانيين؛ ويمنعون من الحصول على ما يرد عنهم غائلة هذا الضيق؛ ويخفف عنهم هذه الأزمة غير المسبوقة التي حولت حياتهم إلى جحيم.

لكن هذا الحلم، على ما يبدو، سيبقى حلماً غير قابل للتحقق، فمن السذاجة أن يظن أحد أن حكومة يراسها نائب وسياسي متمول، إستولى على أموال الإسكان المخصصة لمحدودي الدخل ليزيد بها ثروته المليارية، يمكن أن يهتم برفض شروط صندوق النقد الدولي، التي ترمي، كما في تعاطيها مع أزمات مماثلة في غير بلدان، إلى زيادة فقر الفقراء وتسعير غنى الأغنياء. وإلى إخضاع البلد وشعبه إلى الإرادات الدولية المتسلطة، التي نعرف انها في منطقتنا لا تعترف بمصالح خارجة عما يريح الكيان "الإسرائيلي" ويحقق أطماعه العدوانية.  وبالتالي، فإن هذه الحكومة ستهتم بتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، أكثر من إهتمامها بآلام اللبنانيين.

كذلك، ساذج من يظن أن الذي إشترط عدم تعرضه للعقوبات الأميركية ليزور سورية، متنفس لبنان الوحيد براً ونحو البلاد العربية، يمكن له أن يعارض الضغوط الأميركية ويحمي أرض لبنان وسيادته وثروته داخل حدود مياهه البحرية، التي تطمع فيها العدوانية "الإسرائيلية" وتضغط الولايات المتحدة معها، لسرقة القسم الأعظم منها، من خلال السعي لفرض ما يعرف ب "خط هوف" على لبنان. وكذلك لإجبار لبنان على توطين اللاجئين الفلسطينيين؛ ودمج المعارضين السوريين النازحين إليه، في أماكن نزوحهم.

وفي الوقت نفسه، فإنه جاهل بالتأكيد، ذاك الذي يحلم بأن هذا المجلس النيابي، الذي يمون عليه أصحاب المصارف، لأن السواد الأعظم من أعضائه يشاركون في مجالس إدارات المصارف والبنوك اللبنانية، أو تلك العاملة في لبنان، يمكن له أن يكون باب وطريق أصحاب الودائع لإستعادة أموالهم، التي سرقها أصحاب المصارف، وقرضوا قسماً منها لحساب مصاريف ومشاريع الهدر الحكومية؛ وهربوا ما تبقى منها إلى خارج لبنان، في خيانة موصوفة للأمانة وللقوانين المعمول بها، التي تحكم العلاقة بين المودعين وأصحاب المصارف، خصوصاً أن ما يقوم به حاكم مصرف لبنان، في تعاميمه المتسلسلة والمتناقضة، تهدف إلى تصفية خسائر المصارف ومصرف لبنان، على حساب أموال المودعين، خصوصاً أولئك الذين يفتقدون الحظوة والنفوذ وهم الأغلبية منهم.

وهذه السذاجة ذاتها وذاك الجهل نفسه، هما ما يدفعان البعض للإستغراب كيف تسمح الولايات المتحدة للأردن، بالإنفتاح على سورية وبتخط عقوبات قانون "قيصر" الأميركي، فيما تحرم مثيله على لبنان، فهذا البعض يتجاهل أن الإدارات الأميركية رسمت طريقاً لإرضائها، يمر عبر الخضوع للعدو "الإسرائيلي" وتلبية مطامعه. والسلطات الأردنية تخطت ذلك بتظهير علاقاتها القديمة مع العدو؛ وبعقدها إتفاقية وادي عربة، توأم إتفاقيات كمب ديفيد المصرية وأوسلو الفلسطينية، السيئات الذكر. وهذا سرّ الهامش الأردني في التعاطي مع سورية، فللأردن مصلحة في إعادة العلاقات مع سورية، مثلما له مصلحة ببيع لبنان كهرباء ينتجها بالغاز الفلسطيني الذي تغتصبه "إسرائيل". فيما لبنان موضوع تحت سيف الحصار والعقوبات، حتى يخضع ويقبل بالإملاءات الأميركية والمطامع "الإسرائيلية"، التي ذكرناها. وهي عناوين ما يسميه المتصهينون "العودة إلى الحضن العربي"، هذا "الحضن"، الذي حارب العروبة الحقة وقاتلها، عندما كانت متصادمة مع الهيمنة الأميركية والغربية وتحمل هدفاً سامياً هو تحرير فلسطين. ولذلك تجري ترجمة المفهوم الشاذ لهذه "العروبة" المدعاة، بالإنفتاح على العدو والإعتراف به والغاء القضية الفلسطينية؛ ومحاولة شطبها من الذاكرة ومن القواميس.  

ومشكلة شعب لبنان، مثلما هي مع هذا التسلط الأميركي والأطماع الصهيونية، هي في الدرجة ذاتها مع حكامه، الذين لا ينظرون إليه إلاّ باعتباره سوقاً تجارية ومصرفاً وماخوراً ومكاتب قنصليات وسفارات ومقار إستخبارات ودور عملاء،  من دون أي إعتبار لشعبه، الذي يرونه مجرد خدم وحشم ومرافقين وأزلاماً، يتقاتلون فيما بينهم عندما يختلف أولياء نعمهم على المحاصصة والسرقات وحجم النفوذ ومدى السلطة والتسلط. 
وتأكيداً لهذه النظرة الدونية المستهترة، التي يرى بها تحالف أصحاب المصارف وزعماء الطوائف "شعبهم" اللبناني، ها هم اليوم يعملون بالسر والعلانية، للوصول إلى ساعة يبيعون فيها أملاك الدولة، لتصفية خسائر المصارف ومصرف لبنان؛ ولإنقاذ المصارف المفلسة وسد الثغرة التي أحدثتها هندسات رياض سلامة في ميزانية مصرف لبنان. فهل يتنبه اللبنانيون قبل أن يصحوا قريباً ليشهدوا تلاشي ما تبقى لهم من وطن ودولة، بعد أن فقدوا جنى العمر والأبناء، الذين يهاجر من لم يهاجر منهم بعد، إلى بلاد الله الواسعة، بحثاً عن عيش كريم ولقمة تسد الرمق، عزت عليهم في وطنهم بفضل هذه العصابة، التي تتحكم بهم بالوراثة، منذ أن إخترع المستعمر الفرنسي هذا الكيان خدمة لمصالحه وسياساته وليس تلبية لرغبة أكثرية سكانه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل