القضاء، بين ردّ المشنوق و"تعليق المشانق" ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 29 أيلول , 2021 09:43 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ليست المصاعب التي يواجهها القاضي طارق البيطار في قضية تفجير مرفأ بيروت شكلية، ولو أن طلب الوزير السابق يوسف فنيانوس بنقل الدعوى هو إعتراض شكلي، وردّ الوزير السابق نهاد المشنوق بعدم صلاحية هذه المؤسسة القضائية أو تلك النيابة العامة يأتي أيضاً في سياق الشكل، تفادياً لوصول القاضي الى المضمون، سيما وأن الملف قد بلغ مرحلة توجيه الإتهام لشخصيات نيابية ووزارية سابقة، وقوى الأمر الواقع الآن تتحضر لموسم الإنتخابات، وإدانة أي شخص محسوب عليها يعني صفعة لها في صناديق الإقتراع.

هكذا وبكل صراحة، تحصل المواجهة بين الطبقة السياسية والقضاء في لبنان، كائناً مَن كانت الجهة السياسية أو القاضي، في كباشٍ بين المُشتبه بهم وبين العدالة، حتى ولو كان طلب فنيانوس وردّ المشنوق على سبيل المثال غير مُجديين سوى في كسب الوقت، وسط تحركات يائسة لأهالي الضحايا في غياب مشاركة شعبية داعمة، وحتى وإن حصل الدعم أحياناً، فهو من جماعات "ثورية" مدسوسة تُستخدم لتهييج الشارع وخلق الفوضى عبر التكسير والتخريب.

والإعتصام الذي دعا اليه ذوو الضحايا يوم الأربعاء عند الساعة الواحدة، سواء بقي محصوراً أمام قصر العدل أو انتقل الى مكانٍ آخر، نتيجته معروفة، إيصال رسائل وزحمة إعلامية وصور شهداء وتأييد للقاضي بيطار ولكن، المشكلة في غياب "رأس الهرم القضائي" الضابط لهذا التداخل المُريب في صلاحيات المجالس القضائية والنيابات العامة والمحاكم ذات الإختصاص، وإذا كان هذا الرأس ليس وزير العدل ولا أي نائب عام، فمَن هي الجهة الدستورية التي تبتُّ هذه الأمور التي جعلت فنيانوس أو المشنوق يُديران لعبة "اللقيطة" مع القضاء؟!

عدم الثقة بالقضاء، هي الأزمة التي يعيشها الشعب اللبناني، منذ نهاية زمن "تعليق المشانق" حتى بلوغنا زمن إقدام رئيس حكومة تحت ضغط زاروب مذهبي على إخراج إرهابي من سجن رومية بسيارته الخاصة، ولسنا نذكر هذه الواقعة لأن الرئيس نجيب ميقاتي يسكن السراي حالياً، بل لأن هيبة الدولة التي يتحدَّاها أمثال سركيس حليس وابراهيم الصقر الهارِبَين من العدالة ليست مُهيأة على ما يبدو لمواجهة مَن هُم أكبر منهما، سواء اختبأ حليس في "زاوية" أو صرَّح المشنوق من أمام صرح ديني رفيع!  

ما كانت ردود الفعل على "ردّ المشنوق" شاجبة رافضة الى هذا الحدّ، لو كان للقضاء اللبناني رصيد من الإنجازات في ذاكرة الناس، لكن للأسف، كل قضية يُباشرها تكون دائماً الأولى في تقييم أدائه، نتيجة عدم توصُّل هذا القضاء الى إصدار حُكم نهائي في أية قضية عبر تاريخه، خصوصاً عندما يرعاها من خلف قوس المحكمة سياسيٌ من هنا وزعيم من هناك، مما جعل مطلب الإحالة الى التحقيق الدولي عالي الصوت، رغم أننا ندرك ما أنجزته المحكمة الدولية في قضية "تلفن عيَّاش" بعد أن نهبت مئات ملايين الدولارات بدل أتعاب!

وفي الخلاصة، لا تقتصر مهام القاضي طارق البيطار على كونها ستكشف مجرمي العصر في قضية المرفأ، بل هي الفرصة الأخيرة ليُثبت القضاء المُدان شعبياً أنه جدير باستعادة ثقة الناس، وهو ليس مُطالباً بتعليق المشانق ولكن، واجبه على الأقل في الوقت الحاضر أن يلجم المرتكبين، وأن يمنعهم من مخاطبة الناس بالعفَّة...   
   
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل