السعودية بين الصدام مع واشنطن والتنافس مع جيرانها ـ فادي عيد وهيب

السبت 25 أيلول , 2021 09:43 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

حينما تقرر الولايات المتحدة الأميركية اتخاذ أي خطوة عسكرية كبرى ذات تكاليف مالية باهظة، تقوم بتكليف دول الخليج العربي لتسديد فاتورة تلك الخطوة، وقبل انسحابها من أفغانستان مؤخرا وزعت قائمة التكاليف المادية على دول الخليج، بينما جاءت التكليفات الإستخباراتية والعسكرية لباكستان وتركيا، واستجاب الجميع ما عدا السعودية. 

بعد ان تأكدت المملكة ان أي أموال ستدفع في أفغانستان ستكون لصالح أطراف أخرى، وسيحصد غيرها ما ستزرعه هي بأموالها كالعادة، وفي مقدمة هولاء ستكون باكستان التي عادت إلى مكانتها بين أجهزة الإستخبارات الدولية من جديد كما كان الأمر بعد أحداث سبتمبر/ايلول 2001م، بحكم تغلغل إستخباراتها في العديد من الولايات الأفغانية الإستراتيجية وداخل حركة طالبان نفسها، ثم تركيا التي لم تكن محاولات تطبيعها مع الرباعية العربية إلا تهدئة جبهات للتفرغ لجبهات أكثر أهمية، وأخيرا قطر التي وصفها وزير الخارجية الأميركي بلينكن بحليف واشنطن الأول بعد دورها الحيوي في الملف الافغاني منذ البداية، عندما لعبت دور ضابط الاتصال بين قادة طالبان والمخابرات المركزية الاميركية، وصولا لتحمل قطر الجزء الأكبر من فاتورة تقديم المساعدات لأفغانستان، و وصول أكثر من 100 طن مساعدات من الدوحة لمطار كابول، مما يعني نه لا ناقة ولا جمل للسعودية في افغانستان.

وكان الأخطر على السعودية وما جعلها تستشيط غيظاً من الولايات المتحدة، هو سحب واشنطن لمنظوماتها باتريوت من جنوب المملكة، فهو لم يكن مجرد سحب معدات فقط، فلو اقتصر الأمر  على المعدات فقط فمنظومات الباتريوت وقوات الدفاع الجوي اليوناني سدت ذلك الفراغ، ولكن الأمر كان سحب للمعدات وللغطاء الأميركي للحرب على اليمن معا، وهو ما أزعج الرياض بشدة، وخصوصا ان حرب اليمن لم تنته بعد، وباتت تكتب فصول جديدة على يد الطائرات الحوثية المسيرة، وما زاد الطين بلة على السعوديةهي التحركات الجديدة للمجلس الإنتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي (حليف الإمارات) بعد ان أعلن الأربعاء الماضي حالة الطوارئ والتعبئة العامة في عموم محافظات جنوب اليمن.

وحينها لم يعد أمام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلا ان يتخذ موقف تجاه إدارة جو بايدن التي عادت تطبق منهج واشنطن المعتاد تجاه ممالك الخليج عموما والسعودية خصوصا، ليعتذر ولي العهد عن زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن للمملكة كي تؤجل زيارته التي كانت مقررة للسعودية خلال جولته لدول الخليج 9 سبتمبر/ايلول الجاري، ليلتقي بن سلمان في نفس اليوم الذي كان مقررا فيه مقابلة أوستن برئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي في مدينة "نيوم"، في رسالة مباشرة من بن سلمان للبيت الأبيض، مفادها ان خيارات الرياض ليست مقتصرة على واشنطن.

وهذا اللقاء السعودي الروسي جاء مكملا لما بدأه نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان شقيق ولي العهد في 24 أغسطس/آب الماضي، عندما التقى سلوتسكي وميخائيل بوغدانوف المبعوث الروسي الخاص للشرق الأوسط في موسكو، خلال توقيعه اتفاقية للتعاون العسكري بين السعودية وروسيا.

وفي لعبة تبادل الأدوار التي تمارسها الرياض دوما كلما غضبت عليها واشنطن، خرج مدير الاستخبارات السعودية الأسبق ولسان القصر الملكي غير المباشر الأمير تركي الفيصل ليؤكد عبر سلسلة من التصريحات الناعمة على ضرورة إلتزام واشنطن بالدفاع عن السعودية وإبقاء الباتريوت الأميركي في السعودية في ظل استمرار حرب اليمن.قائلا: "إن سحب صواريخ باتريوت من المملكة ليس مؤشرا على نية أميركا المعلنة لمساعدة السعودية في الدفاع عن نفسها ضد أعداء خارجيين، فالسعودية تفضل دوما الاعتماد على الولايات المتحدة، لكنها طلبت دعماً آخر لتعزيز دفاعاتها الجوية ضد هجمات الحوثيين."

وحقيقة الأمر هناك خلاف في القصر الملكي السعودي من جانب، وخلاف خارجي بين السعودية والولايات المتحدة من جانب أخر، والخلاف الأول سببه تفاوت الرؤى بعض الشئ بين العاهل السعودي الذي يفضل عدم الصدام مع أي طرف سواء كان إقليميا أو دوليا، وولي عهده الذي يريد التعامل مع الملفات الخارجية بنفس طريقته في الداخل، كما تعامل مع أبناء عمومته ومنافسيه في الرياض بطرق جذرية، لذلك كان الملك سلمان ضد فكرة تصعيد الخلاف مع تركيا في بداية الصدام مع أردوغان، وكذلك هو ضد فكرة الخروج من الإطار العسكري والتسليحي الأميركي البحت، والتوجه لشراء الاسلحة الروسية خصوصاً النوعية كحال منظومة اس400 والمقاتلات الروسية الجوية المتطورة كما يرغب ولي العهد، الأمر الذي سيزيد من غضب واشنطن على ولي العهد وهو لما يجلس على الكرسي الأول للمملكة بعد، وحينها ستعاود واشنطن إبتزازها الموسمي للسعودية، عبر فتح الملفات القديمة بداية بحادثة تفجير برجي التجارة العالمي 2001 وصولا الى ملف إغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي 2018م.

ولا ننسى ان الخلافات بين الإدارات الأميركية المتعاقبة والمملكة السعودية هي موسمية، تأتي كل موسم كحال مواسم هجرة الطيور أو تزاوجها أو تكاثرها، فالخلاف الحالي أو بمعنى أدق الابتزاز الحالي الذي تتعرض له المملكة من إدارة جو بايدن، تعرضت له من قبل مع من هو يفترض حليفها، إلا وهو الرئيس الأسبق دونالد ترامب، والذي حصد من السعودية اتفاقات تخطت 400مليار دولار في ساعة واحدة، فالأمر ليس مقتصرا على رئيس جمهوري أو ديموقراطي، فكلاهما سيعمل على إبتزاز السعودية خلال فترة حكمه لحلب صناديقها السيادية بقدر المستطاع.

وأخيراً وليس آخراً يبقى التحدي الأكبر أمام السعودية هو سرعة إعادة صياغة إستراتيجيتها الخارجية للوصول لكرسي قيادة المنظومة الخليجية من جديد كما كانت الأمور طوال العقود السابقة، بعد ان إنفردت به الدوحة وأبوظبي، وصاروا في سباق  عليه، فتبقى تلك النقطة هي أخطر وأهم التحديات أمام الرياض.
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل