أقلام الثبات
لا تُلام المرجعية الدينية للطائفة السُنِّية، لو حصرت خياراتها لرئاسة الحكومة بما يُسمَّى نادي رؤساء الحكومات السابقين، بعد التجارب الفاشلة في استبدالهم بمحمد الصفدي ومحمود الخطيب ومصطفى أديب، وبعد آخر خرطوشة حريرية لمحاولة التشكيل، لكن سعد الحريري كما المرحوم والده شاء دمج الخاص بالعام، سواء بعلاقاته المتوترة مع الجميع في الداخل بمن فيهم حلفاء الماضي، جعجع وجنبلاط، مع حرب لا مبرر لها على رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل، تُشاركه فيها جوقة قوَّالين من أمثال النائبين محمد الحجار وهادي حبيش والنائب السابق مصطفى علوش، ومع اشتداد أزمته الإقليمية الخاصة مع السعودية، على خلفية تصفية شركة سعودي أوجيه وفيتو نظام المملكة عليه، إضافة الى خصومة شخصية مع سوريا، الى أن أدرك أخيراً أن كل الظروف المحيطة به ستكون عائقاً لعودته الى السراي، فكان الخيار على الرئيس ميقاتي.
إختيار نجيب ميقاتي ليس عن عبث، لأنه ينتمي الى نادي رؤساء الحكومات السابقين، ولأنه الأوحد المسموح له العودة الى السراي من ضمنهم، لأن السنيورة مرفوض سياسياً من حلفاء المقاومة، وشعبياً من غالبية الشرائح التي تعتبره "وكيل تفليسة"، ومسؤول عن جزء من خراب البلد مالياً واقتصادياً، وتمام سلام لا يعطي انطباعاً في السراي سوى أنه قائممقام عن بيت الحريري، ولذلك، بات ميقاتي خيَّال الميدان، لأنه مادياً أقدر من الحريري، وخطابه السياسي هادىء، ولا فيتو عليه من السعودية ولا فيتو منه على العلاقة مع سوريا.
لماذا نجح ميقاتي حيث فشِل الحريري، فلأن الأول مارس صلاحياته الدستورية، دون المساس بصلاحيات رئيس الجمهورية، ولم يترك للمنظِّر فؤاد السنيورة مجالاً لإستخدامه، في التصويب على العهد وعرقلة تشكيل الحكومة بهدف العرقلة ومنع العهد ميثاقياً من الحُكم، وليس هناك أكفأ من السنيورة في مذهبة مقام رئاسة الحكومة، سيما وأنه لم يعُد لديه ما يخسره بعد تحريم طرح إسمه والى الأبد للعودة الى السراي.
الغريب في أمر القوى السياسية والشعبية اللبنانية، أنها تُطالب بإلغاء كل الوكالات الحصرية التجارية، سواء على مستوى الأدوية أو المواد الإستهلاكية، لمواجهة غيلان الإحتكار وحيتان التهام الفقراء، وقد جاء قرار قيادة حزب الله باستيراد المحروقات من إيران، وتوزيع جزء كبير منها كهِبات، وجزء يُباع بأقل من سعر الكلفة للقطاعات الخدماتية والإنسانية، وفق ما أعلن سماحة السيد حسن نصرالله، هذا القرار هو بداية إنطلاقة مباركة ولكن، آن أوان الشعب اللبناني لأن يكسر الوكالة الحصرية لبيت الحريري في استملاك السراي، أولاً لأن الطائفة السُنِّية يجب أن تكون ولَّادة من جديد، بعد أن أصابها العُقم نتيجة ظاهرة رفيق الحريري، وكي لا تُصاب باليُتم متى باتت صفقات بيت الحريري المالية ومشاكلهم التي لا تنتهي في أسواق المال والتجارة سبباً لعرقلة شؤون وطن بأكمله، مما أنتج عجزاً في اختيار من يرفع رأس أهل السُنَّة على مستوى التمثيل الراقي في إدارة الدولة، وأن يكون هناك دائماً "حديدان" في الميدان لكسر احتكار الساحة السياسية الوطنية للطائفة السُنِّية.
ومع إدراكنا لِعُمر حكومة ميقاتي الذي لا يتعدَّى ثمانية أشهر، فإن الرجل أمامه فرصة تاريخية، ليرتقي بنفسه من زعيم طرابلسي الى قيادي سُنِّي وطني، وعلاقاته الإقليمية تُساعده في ذلك، إضافة الى أسلوبه الهادىء في تحسُّس أوضاع الشعب اللبناني - كما يبدو لغاية الآن-، وما نستطيع الجزم به، أن ما تُسمَّى الحريرية السياسية التي أساءت لناسها أكثر من باقي اللبنانيين باتت قاب قوسين من الإنقراض على المستوى القيادي المُطلَق...