أقلام الثبات
لاح بعض الأنفراج الداخلي في لبنان بعد تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب الميقاتي، الذي استطاع أن يحقق ما لم يستطع سعد الحريري ان يحققه خلال شهور من تمسكه بورقة تكليفه رئيساً للحكومة، وبالرغم من كل الدعم الذي ناله من الثنائي الشيعي وخصوصاً من رئيس مجلس النواب، الرئيس نبيه برّي.
ويبدو من الأجواء التي رافقت تشكيل الحكومة، أن قراراً خارجياً صارماً فرض تشكيل تلك الحكومة، رغماً عن المعرقلين في لبنان، أو الداعين الى إيقاف عجلة البلاد لغاية انتهاء عهد الرئيس عون، بما يوحي أن الحدث اليوم، هو انقلاب على مسار مستمر منذ ما قبل اندلاع "الثورة"، وبالتحديد منذ نهاية صيف عام 2017، وخصوصاً بعد معركة انهاء الخطر التكفيري على الحدود مع لبنان، والذي تمّ الردّ عليه بإعلان مصرف لبنان إيقاف القروض الاسكانية وتوالي الأزمات المفتعلة... وحيث بدأت مرحلة "تدفيع لبنان" ثمن تحديه الغطرسة الاسرائيلية والارادة الدولية التي تريد تحويل لبنان ظهيراً للعصابات المسلحة والتكفيريين في سوريا.
وهنا لا بد من الاشارة الى بعض الأجواء الداخلية التي ترافقت مع تشكيل الحكومة اللبنانية:
- احباط عارم لدى المحسوبين على رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، حيث كان هؤلاء يمنون النفس بعدم قدرة ميقاتي على التشكيل واتهام رئيس الجمهورية وجبران باسيل بتعطيل البلد. وتزامناً مع تشكيل الحكومة، توالت الأزمات المالية على سعد الحريري، وتمّ حجز طائرته الخاصة، وتمّ بيع أملاك سعودي- أوجيه بالمزاد العلني في السعودية، وتمّ توجيه طلب سعودي الى لبنان لحجز أملاكه الخاصة في لبنان. ويأتي هذا الأمر، على أبواب انتخابات نيابية، يحتاج فيها الحريري للكثير من الأموال لتعويض نقص عدم وجوده في السلطة.
- رسائل وجهتها حركة أمل عبر "استعراض عسكري" في الجنوب، حيث نفّذ مئات العناصر من حركة أمل في منطقة النبطية، بدءاً من ليل الخميس ــــ الجمعة الماضي، مناورة عسكرية تحت عنوان «الرعب الأعظم» حسب ما ذكرت صحيفة الأخبار.يشبه هذا الاستعراض الى حدٍ بعيد الاستعراض العسكري الذي حصل في أواخر آب عام 2016، وذلك قبيل انتخاب الرئيس ميشال عون من قبل المجلس النيابي، من ضمن تسوية محلية – اقليمية حازت على رضى دولي على ابواب الانتخابات الرئاسية الأميركية.
- القوات اللبنانية التي يبدو أن رأيها بالحكومة من ضمن خطتها الانتخابية، فقد استمرت في مهاجمة التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ( يتنافس الطرفان ضمن نفس المساحة الانتخابية)، ولكنها حيّدت الرئيس ميقاتي، بعدما كان الميقاتي قد موّل مشاريع عدّة لستريدا جعجع.
بكل الأحوال، إن اي تسوية أو انفراج لا يفيد "القوات اللبنانية" ضمن خطتها الانتخابية التي تقوم على تحريض الرأي العام على التيار الوطني الحر واتهامه بالتسبب بأزمات البنزين والمحروقات والدواء وسواها، التي تبيّن أنها أزمات مفتعلة ومدبرة داخلياً، سواء بالجشع أو بالتواطؤ أو بالتآمر على لبنان.
- استياء عارم لدى الأسماء المحسوبة على "الثورة"، متهمين الحكومة بأنها حكومة محاصصة من غير الاختصاصيين، وأن لا تغيير في الأفق، وأن محاربة هذه الحكومة يجب أن تكون أولوية الأولويات، ويجب العمل لإسقاط هذه "المنظومة" في الانتخابات النيابية بعدما تبين أنه من دون أغلبية في مجلس النواب، لن يكون هناك أمل بالتغيير.
- خروج بعض الاصوات المحسوبة على البطريركية المارونية، للتصويب على الحكومة واعتبارها نتيجة "تفاهمات خارجية لمصلحة طهران". وقد يكون البطريرك الراعي من ضمن أحد أبرز الخاسرين بعدما وضع نفسه في خانة العداء مع العديد من القوى السياسية المسيحية والاسلامية، وسار في طروحات لا تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى في لبنان، فوضع نفسه طرفاً سياسياً بدل أن يكون أباً روحياً جامعاً.
بكل الأحوال، يبقى أن تشكيل الحكومة اللبنانية ووجودها أفضل من عدمه، بعدما باتت الحاجة ملحة لوقف الانهيار الاقتصادي وفرملة انحدار اللبنانيين نحو المجاعة. وإذا كان الضوء الأخضر الخارجي قد أعطى إمكانية لتلك الحكومة للتشكّل، فإن المقياس اليوم، هو قدرة اللبنانيين على استغلال ذلك الضوء لمصلحة لبنان، وعدم تضييع الفرصة السانحة لإخراج لبنان من مسار الانحدار الاقتصادي، الذي دفع اللبنانيين بمعظمهم الى ما تحت خط الفقر.