أقلام الثبات
كان ينقص اللبنانيين الاشتباك في خلدة لتكتمل فصول الانهيار الاقتصادي والأمني والاجتماعي، ولتدخل البلاد في توتر أمني، يرافقه تحريض على الاقتتال على وسائل التواصل الاجتماعي، ودعوات للثأر والثأر المضاد.
واللافت، أنه وبالرغم من أن المواطنين يعيشون في ظل وضع اقتصادي متردٍ، إلا أن السلاح والرصاص يبدو متوافراً بكثرة، وقد شهدنا هذا الامر في طرابلس خلال الشهرين المنصرمين، وفي خلدة وفي العديد من المناطق اللبنانية، بشكل يجعل كلفة الرصاص المستخدم قادرة على إعالة عائلات عدّة لأشهر.
وفي موضوع التوترات الأمنية المتنقلة، يلفتنا الملاحظات التالية:
أولاً- مع كل انتكاسة أمنية تخرج الأصوات السياسية الداعية الى التهدئة، ملقية اللوم على الخارج ومعتبرة أن على الداخل تفويت الفرصة لمن يريد اللعب بالنار.
بشكل عام، يستسهل اللبنانيون اتهام الخارج بالتآمر على لبنان، متناسين أن الخارج يستخدم أدوات محلية لتنفيذ تلك المؤامرات في حال وُجدت.
أما لماذا يسارع السياسيون لاتهام الخارج، فلأنهم يدركون أن السياسة التي يتبعونها في لبنان، تقوم على المحاصصة، والتسويات، وأن العداوة بينهم لا تعدو كونها كلاماً تسويقياً لشحن النفوس، بينما سيجلسون مع خصومهم غداً لتقاسم السلطة. وعليه، من الأسهل اتهام الخارج وتبرئة الأطراف الداخليين، لترك الباب مفتوحاً للعودة الى التسوية لاحقاً.
ثانياً- يعاني الجيش اللبناني من ازدواجية تعامل السياسيين معه. من ناحية، هم ينظمون الشعر له في المناسبات الوطنية، ومن جهة أخرى ما انفكت موازنات الجيش تتقلص منذ استلام الرئيس السنيورة رئاسة مجلس الوزراء لغاية اليوم، وتقوم الاطراف المختلفة في العديد من المناسبات بشتم الجيش واتهامه بالتآمر.
تعاني معظم الاحزاب السياسية التي تمارس السلطة في لبنان، من "عقدة" الجيش اللبناني، فبعضها طالب مراراً بتغيير عقيدة الجيش، والبعض الآخر طالب بتقليص موازنته، وغيرهم حرّض اعلامييه وناشطيه لشيطنة الجيش... أما السبب الأساسي، فيعود الى أن معظمها قد انتقل من الاطار الميليشاوي خلال الحرب، الى الاطار الحزبي السلطوي خلال السلم، ولا شك، إن اشتباك معظم تلك الميليشيات خلال الحرب مع الجيش لمنع قيام الدولة لا زال ماثلاً في أذهانها لغاية اليوم.
ولا تأتي الحملة على الجيش من الداخل فقط، فالعديد من الناشطين في الولايات المتحدة الأميركية والمحسوبين على جهات حزبية لبنانية، ما انفكوا يحرّضون على الجيش في الكونغرس الاميركي، ويطالبون الولايات المتحدة بوقف الدعم المخصص للجيش اللبناني. أضيف الى هؤلاء مؤخراً دايفد شينكر، مساعد وزير الخارجية الاميركية (بومبيو) الأسبق لشؤون الشرق الادنى، الذي قام خلال شهادته أمام الكونغرس بالتحريض على الجيش متهماً إياه بأنه "يشغّل المتعاطفين مع حزب الله و / أو النشطاء الموالين للحزب في المناصب الرئيسية، وأنه يعيق في كثير من الأحيان قدرة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) من التحقيق في أنشطة حزب الله العدائية في جنوب لبنان"، بحسب ما زعمه شينكر.
وينصح شينكر إدارة الرئيس بايدن – وكشرط للمساعدات – أن تقوم بـ "إقصاء كبار الضباط الموالين لحزب الله، وإنهاء الممارسات (الفاحشة) المتمثلة في استخدام المحاكم العسكرية لاستهداف منتقدي حزب الله في الداخل والخارج"...
سلسلة من الاتهامات الباطلة أطلقها شينكر ضد الجيش اللبناني، لكن الجيد أنها لا تُصرف في الولايات المتحدة، إذ أن العلاقة مع الجيش يحددها البنتاغون وليس وزارة الخارجية، ولا تأخذ إدارة بايدن بآراء شينكر المحسوب على ترامب وبومبيو.
وبكل الأحوال، فإن كل هذه الحملات ضد الجيش، لا تنفصل بأي شكل من الاشكال عن الحملات المشبوهة والتي تندرج جميعها، في السعي لعدم بناء دولة قوية قادرة في لبنان، لصالح التدخل الخارجي والفساد والافساد السلطوي الداخلي.