الاستخبارات التركية من النشأة وحتى المستقبل 3/2 ـ فادي عيد وهيب

الأربعاء 07 تموز , 2021 10:57 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ما بعد "العثمانية" والشرطة العسكرية
في 18 يوليو/تموز 1920 بدأت مرحلة جديدة في تاريخ العمل السري والإستخباراتي في الدولة العثمانية القديمة أو الدولة التركية الوليدة، وتمثلت تلك المرحلة فى تأسيس تشكيلات سرية جديدة عرفت بأسم "تشكيلات الشرطة العسكرية" "A.P وهي التشكيلات التى تم تأسيسها من قبل رئاسة الأركان العامة، والتى توجهت أيضا بتلك الفترة إلى إنشاء ما يعرف وقتها بـ "هيئة التدقيق". 
وقبل أن تتخذ رئاسة الأركان قراراً بتوحيد المجموعات والفرق الإستخباراتية والسرية، بأمر من الجنرال فوزي جقمق الذي يمثل ظاهرة خاصة وعلامة هامة في تاريخ رئاسة الأركان التركية، حيث كان أحد القادة البارزين في حرب الأستقلال، والذي وحد كل تلك المجموعات الإستخباراتية وقتها تحت أسم " الدفاع الشعبي المسلح" ((M.M قبل ان تصبح مؤسسة رسمية معلنة فى تاريخ 3 مايو/أيار عام 1921م، إلى أن إِنْتهى نشاط تلك المؤسسة عام 1923 أي بعد تحرير إسطنبول، وبعدها تم تسيير العمل الإستخباراتي والسري من قبل فرع الإستخبارات في هيئة التفتيش في الجيش حتى عام 1926.

أول وكالة إستخبارات بتركيا الحديثة 
بعد الحقبة المليئة بالأحداث التى تم شرح أهم نقاط التحول بها بالفقرات السابقة، والتى كتبت نهايتها بعد تحرير إسطنبول ثم الإنتهاء منها رسميا عام 1926، بدأت مرحلة جديدة بالعام التالي أي عام 1927م، الذي شهد ظهور أول وكالة إستخباراتية فى عهد الدولة التركية الحديثة عبر ظهور جهاز الأمن الوطني (M.E.H/MAH) والذي تم تأسيسه تحديدا في 6 يناير/كانون الثاني 1927، حيث تم وضع جهاز الأمن الوطني تحت إشراف وزارة الداخلية انئذٍ وليس رئاسة الأركان أو أي فرع من فروع الجيش التركي، وفي تلك الفترة خضع جهاز الأمن الوطني للعديد من المراجعات لأدارته وهيكلة الجهاز نفسه، وظل يسير فى خطوات ثابتة نحو توسع المؤسسة الإستخباراتية
ظلت أمور الإستخبارات والعمل السري تسيير تحت مظلة جهاز الأمن الوطني (M.E.H/MAH) الى أن جاء يوم 25 يوليو/تموز 1965م، وتم توحيد الإستخبارات وكل القضايا التي ترتبط بإعداد سياسة الأمن الوطني للدولة تحت أسم وكالة الإستخبارات الوطنية (MIT) بموجب القرار رقم 644 الصادر من مجلس الشعب التركي، وبحسب القانون يتم تسيير أمور وكالة الإستخبارات الوطنية من قبل مستشار يكون مسؤولاً أمام رئيس الوزراء، ودخل ذلك القرار حيز التنفيذ بعد 19 سنة أي فى 1 يناير/كانون الثاني 1984، بعد إصدار القانون الذى عرف بأسم قانون وكالة الإستخبارات الوطنية وإستخبارات الدولة رقم 937.
ومنذ تلك الحقبة التى نظمها القانون التركي ومجلس الشعب بأتت كافة الأنشطة الإستخباراتية والسرية تخضع للقوات المسلحة التركية بعد أن أصبح معظم مستشاري وأعضاء وكالة الإستخبارات الوطنية حتى عهد أوزال من جذور عسكرية وجميع مستشاري وكالة الإستخبارات الوطنية من القادة والجنرالات العسكريين حتى العام 1992، وباتت المؤسسة تدار كوحدة من وحدات الجيش التركي، ولم يتمكن تبتان جوسال الذي أصبح أول مستشار مدني يتولى إدارة جهاز الإستخبارات التركية في 1992 ومن جاء بعده حتى عام 2005 من عمل تغيير لهيكل مؤسسة الإستخبارات. 
وهنا كانت وكالة الاستخبارات الوطنية (MIT) أسيرة التغيرات الخارجية وما يحدث حولها بتلك الحقبة حتى صارت تسير بالتوازى مع عمل الكثير من القوى الأجنبية، فلا يغفل على أحد مدى تأثر وكالة الإستخبارات الوطنية (MIT) بالتأثيرات والمتغيرات الخارجية وفى مقدمتها حلف الشمال الأطلسي ووكالة الإستخبارات الأميركية ودائرة الإستخبارات البريطانية، فكثيرا ما كانت تنعكس تلك التأثيرات والمتغيرات الخارجية بأنقلابات عسكرية داخلية، الأمر الذي جعل فى كثير من الأوقات يكون محور عمل وكالة الإستخبارات الوطنية (MIT) فى الداخل التركي أكثر من الخارج، وهو ما يتعارض مع فكر وفلسفة أي جهاز إستخبارات الى حد كبير، حتى جأء إنقلاب 12 مارس/آذار 1971، والذي جاء كثاني إنقلاب عسكري فى تاريخ الجمهورية التركية بعد إنقلاب عام 1960، وعُرف ذلك الإنقلاب بأسم " إنقلاب المذكرة"، وهي مذكرة عسكرية أرسلها الجيش بدلاً من الدبابات كما فعل في الإنقلاب السابق له.
كذلك جاء إنقلاب 12 سبتمبر/أيلول 1980 الذي تزعمه الجنرال كنعان إيفرين مع مجموعة من ضباط الجيش التركي نشأوا على فكرة حماية المبادئ الأساسية للجمهورية التركية كما وضعها مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال اتاتورك، وكان المبدأ الرئيسي فى ذلك التحرك أو الإنقلاب العسكري هو الفكر الكمالي والأعتقاد بأن سبب تدهور الأمبراطورية العثمانية واندحارها عسكرياً كان لأرتباطها بالدول العربية والبلدان الإسلامية، وهناك الكثير من الأقاويل التى جاءت على لسان رجال تلك الحقبة المتعثرة والمتقلبة من تاريخ الجمهورية التركية سواء على لسانهم أو بمذكراتهم أمثال عدنان مندريس وأجاويد وغيرهم التى تفيد بإرتباط وكالة الإستخبارات الوطنية بجهاز الخدمات السرية البريطاني حتى عام 1944، وكذلك وكالة الإستخبارات الأميركية ودول غربية عديدة فى مقدمتها المانيا وفرنسا إلى جانب إسرائيل، التى كان من أوائل من أعترف بها هو الرئيس التركي حينها عدنان مندريس.
ومن المعلوم أن مهام وكالة الإستخبارات الوطنية (MIT) تركزت لفترة طويلة لمحاربة الأصولية والتصدي التام للشيوعية بمعاونة أجهزة غربية عديدة.

وكالة الإستخبارات الوطنية بالحقبة الأردوغانية 
بعد تولى حكومة حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم بتركيا في أواخر عام 2012 وبداية عام 2013، عمل النظام التركي الجديد المندرج فكريا تحت مظلة جماعة "الإخوان المسلمين" على تثبيت ركائزه، وكانت أولى أولويات النظام التركي الجديد، وضع يده على القوات المسلحة التركية وأفرعها، وفي المقدمة معقل الإنقلابات بالدولة التركية جهاز المخابرات العسكرية، حتى يتمكن النظام الجديد من المضي قدما فى طموحاته الجديدة وأهدافه البعيدة من دون القلق من أي إنقلاب قد يحول أحلام العثمانيين الجدد الى كوابيس لا تختلف كثيرا عن كوابيس عدنان مندريس.
وفى ظل تلك المحاولأت كانت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم تشق طريقاً نحو إثبات نجاحها الأقتصادي، ورفع معدلات التنمية وتطوير شبكة الطرق والمواصلات والنقل بتركيا، إلى جانب تحقيق الحضور الفعلى لسياسة تركيا الخارجية، والعمل على تأكيد تواجدها فى اغلب أن لم يكن جميع ملفات اقليم الشرق الاوسط السياسية، وهو ما تحقق على أيدي مجموعة كبيرة من رجال النظام التركي فى مقدمتهم على بابا جان وبن على يلدرم وداوود اوغلو وغيرهم.
ولكن برغم كل ذلك كان الخوف دائما يناور عقل رئيس الوزراء السابق والرئيس الحالى لتركيا رجب طيب اردوغان تجاه حدوث أي إنقلاب عسكري، وحقيقة الأمر لم يكن أردوغان مبالغا فى خوفه فمع بداية عام 2010 حدثت أزمة قوية داخل أروقة وكالة الإستخبارات الوطنية (MIT) بعد أن أتضحت ملامح خيانة داخل الجهاز نفسه لصالح حزب العمال الكردستانى.
وعلى أثر ذلك تقدم نائبً مستشار رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء انذاك لشؤون الأمن الدولي والسياسة الخارجية هاكان فيدان بأستدعاء قاضي التحقيق في قضية التنظيم السري لحزب العمال الكردستاني المحظور BKK وعمل على التحقيق مع القاضى كمشتبه به في القضية مع أربعة من القيادات البارزة بجهاز الإستخبارات التركي، بعد الإشتباه في تقديمهم الدعم للحزب الكردستاني المحظور أو غض بصره عن معلومات هامة مسبقه تفيد بتنفيذ عمليات مسلحة وهجمات نفذها الحزب ضد النظام التركي، حتى منح أردوغان الحرية المطلقة لتحركات نائب مستشاره بملف الأمن القومي، ولم يتردد أو يتأخر للحظة فى أصدار قانون يمنح الحصانة لرجال المخابرات من الإدلاء بأقوالهم أمام المحاكم الجنائية.
ويذكر أنه بذلك الوقت تعرض ذلك القانون الى إنتقادات وإعتراضات حادة من جميع القوى والأحزاب المعارضة والرأي العام التركي، لكن أردوغان لم يلتفت لكل هولاء وهى الواقعة التى أظهرت حجم ونفوذ الوجه الصاعد بقوة داخل جهاز المخابرات التركي هاكان فيدان، حتى عزم أردوغان على أن يوسع صلاحيات هاكان فيدان بعد أن قرر تعيينه نائباً لرئيس الإستخبارات وقتها إيمري تانير في 17 ابريل/نيسان 2009م، كي يصبح هاكان فيدان فى 27مايو/أيار 2010 الرجل الأول بالاستخبارات التركية بعد تعيينه كرئيس للجهاز ليغير معادلات كثيرة لدى وكالة الإستخبارات الوطنية (MIT).
وبتلك الفترة شهدت وكالة الإستخبارات الوطنية (MIT) حالة من الأضطرابات المتكررة حتى خرج مردود ذلك خارج أطار جهاز الإستخبارات، وبات المواطن التركي والرأي العام يستشعر حالة التخبط داخل المؤسسة الامنية الأولى في البلاد.
وعلى إثر تلك الإضطرابات تم إعفاء مدير مخابرات إسطنبول من منصبه، وهو واحد من أهم المناصب داخل وكالة الإستخبارات الوطنية (MIT)، فهو المسؤول الأول عن الأمن ومتابعة عناصر المخابرات الأجنبية في هذه المدينة الحيوية، وخصاصاً أن مدينة إسطنبول يزيد تعداد سكانها عن 15 مليون نسمة، وتستقبل ملايين السياح والأجانب سنويا، وتعتبر من أهم المسارح التي ينشط فيها عناصر أجهزة الإستخبارات الدولية، كما تعد كنقطة لتلاقى أجهزة الإستخبارات العالمية ومسرحا هاما لممارسة أنشطتهم السرية، فكانت بصمات هاكان فيدان واضحة لرأب الصدع بين المؤسسات المعلوماتية والأمنية بالبلاد وقتها، والتصدي لأي تطورات قد تترك أثار سلبية على الجهاز المعلوماتي الأول في تركيا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل