نبش القبور في مخيم اليرموك: جريمة أخلاقية تفضح وجهاً داعشياً بربطة عنق

الإثنين 09 حزيران , 2025 01:23 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

لم يكن حادث نبش قبري القائدين الفلسطينيين أحمد جبريل وخليل الوزير (أبو جهاد) في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك جنوب دمشق مجرد اعتداء مادي على رموز فلسطينية بارزة، بل كان صفعة صادمة لقيم الإنسانية والدين، ورسالة سوداوية تحمل توقيع من يتبنون فكرًا إقصائيًا متطرفًا لا يختلف في جوهره عن نهج تنظيم "داعش"، الذي سبق وأن جعل من نبش القبور والتنكيل بالأموات مذهبًا وممارسة.

بحسب مصادر محلية، فإن أيادي التخريب امتدت خلال الأيام الماضية لتحطم شاهد قبر القائد أحمد جبريل، مؤسس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة"، وتعبث كذلك بقبر القائد خليل الوزير (أبو جهاد)، أحد مهندسي الانتفاضة الفلسطينية الأولى وأبرز القادة العسكريين في منظمة التحرير. هؤلاء القادة – رغم اختلاف الرؤى حول أدوارهم السياسية – يظلون رموزًا محفورة في الذاكرة الوطنية لشعبٍ ما زال ينزف تحت الاحتلال والتشريد.

ولعل الاستهداف المتعمد لقبورهم، في مقبرة تعد من أبرز المعالم الرمزية للقضية الفلسطينية في الشتات، يعكس رغبة ممنهجة في محو التاريخ، وطمس الذاكرة، والتشفي من الأموات بعد أن عجزوا عن مواجهة الأحياء.

من داعش إلى الجولاني: ثقافة واحدة وإن تغيرت الأسماء

إن ما جرى في مخيم اليرموك يعيد إلى الأذهان مشاهد مأساوية لطالما ارتبطت بتنظيم داعش، الذي اعتاد نبش قبور الأولياء والصحابة وقادة التاريخ الإسلامي بزعم "تطهير العقيدة"، وهو تبرير سطحي يخفي في جوهره نزعة انتقامية همجية، لا تمت للإسلام بصلة.

ويبدو أن العصابات التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" – واجهة "جبهة النصرة" بزعامة الجولاني – تسير على ذات الخطى، مع اختلاف الأزياء وتبدل الشعارات. فالعقيدة واحدة: حقد أعمى على كل ما يمثل الذاكرة الجمعية، وعلى كل ما يشير إلى نضال الفلسطينيين وتاريخهم، حتى لو أصبح أصحابه تحت التراب.

هذه الأفعال، سواء كانت مقصودة كرسالة سياسية، أو كممارسة انتقامية، تكشف عن خواء أخلاقي وفكري لا يمكن تبريره بأي خلفية دينية أو وطنية. الإسلام، كما تعرفه الأمة، يحرم التمثيل بالجثث، ويكرم الميت – حتى لو كان خصمًا أو كافرًا. فكيف الحال بأبطال قضوا أعمارهم في مقاومة الاحتلال والدفاع عن قضية شعبهم؟

قد يُحطم شاهد قبر، وقد يُنبش تراب، لكن القادة الحقيقيين لا يموتون بفعل المعاول أو التخريب. أبو جهاد سيظل في ذاكرة الانتفاضة، وأحمد جبريل – رغم الجدل حوله – سيظل جزءًا من معادلة الكفاح الفلسطيني. أما من ينبش القبور، فلا مكان لهم في ذاكرة الشعوب، سوى كأمثلة على الانحدار والانحطاط.

إن تكرار هذه الأفعال يفرض على الجميع – فلسطينيين وسوريين وعربًا – وقفة جادة، ليس فقط لحماية المقابر، بل للدفاع عن التاريخ من أيدي العابثين، وللتأكيد أن من يحارب الموتى، إنما يعلن إفلاسه أمام الأحياء.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل