إبريق زيت الحوار اللبناني 1697 - 2021 وما بعدها (16/15) ـ أحمد زين الدين

الخميس 01 تموز , 2021 10:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

حوارات ثنائية لم تكتمل
وحوارات سويسرية انتجت وثيقة

أقلام الثبات

ثمة أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون، كلما سمعوا عن حوار مزمع، أو التحضير لحوار، ومن هذه الأسئلة:
ماذا يمكن أن ينتج، وماذا ينتظرنا بعده وهل نحن أمام هدوء واستقرار أم أمام مرحلة جديدة من مخاض صعب لا يعرف متى ينتهي؟
واللبنانييون كما كانت حواراتهم تنتج أحياناً أزمات أو مدخلاً لأزمات كبرى، وحروب، كانت أيضاً مدخلاً لحلول، وفي كل الحالات، فإن التشديد والعمل من أجل الحوار له معنى واحد أن هناك أزمة ولابد من حل لها.


قد يكون لبنان البلد الوحيد في العالم الذي يطرح فيه الحوار شعاراً دائماً يوصل أحياناً إلى تسوية لا تلبث أن تصل إلى حائط مسدود لأن السياسيين عجزوا عن تنفيذها أو تطويرها، أو لا تفضي إلى نتيجة. والحوار بين اللبنانيين يكون تارة علناً وعلى رؤوس الأشهاد، وطوراً سرياً أو وراء الكواليس وحتى وراء البحار والمحيطات أو في الجزر أو عند البحيرات. وإذا كانت حوارات اللبنانيين قد اسفرت أحياناً عن نتائج فإنها في أحيان كثيرة كانت نتيجتها الفشل وحتى أن بعض هذه الحوارات الفاشلة كانت مقدمة لأزمات كبرى.. وصغرى، كما أسلفنا في حلقات سابقة. واللبنانيون منذ مطلع العام 2005 شهدوا العديد من اللقاءات والمناسبات الحوارية، لم توصل إلى توفير حلول ناجعة لخروج البلد من أزمته التي ازدادت تعمقاً وتشعباً لشتى الأسباب على نحو ما جاء في الحلقتين الأخيرتين، بيد أنه كان هناك مزيد من الحوارات الثنائية بعضها بقي بعيداً عن الانظار وبعضها كشف عنه وبعضها الثالث جرى تحديد مواعيدها مسبقاً، كما أن بعض الحوارات طار أصحابها إلى عواصم العالم لعلهم بعيداً عن الضغوطات يتوصلون إلى نتائج ما.
من هذه الحوارات ما شهدته مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية قبل طاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري في 2 آذار 2006، حيث كشف أن حواراً معمقاً تم بين النائب سعد الدين الحريري من جهة وممثلين عن حركة أمل وحزب الله من جهة ثانية، أفضى إلى نتائج إيجابية لكنه لم يوضع موضع التنفيذ، وكان لافتاً أن النائب الحريري نفى حصول مثل هذا الحوار أو أن يكون قد تم الوصول إلى اتفاق محدد ليتبين بعد ذلك أن الحوار قد جرى فعلاً، والاتفاق حصل فعلاً واعترف به النائب الحريري حينما اعتذر في مقابلة مع محطة الجزيرة الفضائية من المملكة العربية السعودية لأن فريق الموالاة لم ينفذ الاتفاق.
ومن الحوارات الثنائية، نسجل الحوار الباريسي على مدى ثلاثة أيام في باريس بين النائب سعد الدين الحريري وزعيم التيار والوطني الحر العماد ميشال عون، وقد اتفق على استكمال هذا الحوار في بيروت وهو الأمر الذي لم يحصل. وبعد طول انقطاع بدأت حوارات ثنائية منذ تشرين الأول من 2007 بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الدين الحريري، وكان مفاجئاً أنه كلما أعلن عن الوصول إلى نتائج إيجابية كانت الأمور تعود إلى نقطة الصفر، وهو ما دعا الرئيس بري أخيراً لنفض يده من هذا الحوار وتحويل المعارضة كل حواراتها نحو العماد ميشال عون، ليكون هو المحاور بإسمها مع الموالاة التي رفضت ذلك. ويذكر أيضاً الحوار الذي رعاه وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير وشارك في أحد مراحله أمين عام جامعة الدول العربية، وإذ قيل أنه تم التوصل إلى نتائج محددة ستفضي إلى انتخاب رئيس الجمهورية العتيد لكن سرعان ما تم الانقلاب على هذه الوقائع لتعود الأمور إلى نقطة الصفر.
ومن حوارات اللبنانيين التي بقيت بعيدة عن العيون والأنظار ذاك الحوار الذي جرى في سويسرا بين 17 و 20 آب 2007 بين ممثلين لمختلف القوى والتيارات السياسية في المعارضة والموالاة، وذكر أن المتحاورين توصلوا إلى وثيقة توافق لم يفصح عنها، لكن الديبلوماسي السويسري السابق إيف بيسون وهو نائب رئيس الجمعية السويسرية للحوار الاوروبي - العربي الإسلامي التي نظمت هذا الحوار بدعم من وزارة الخارجية السويسرية، يؤكد “أن هذه الوثيقة هي الأكثر نجاحاً واعتقد أنها أفضل نقطة توافق يمكن أن تتوصل إليها أطراف لبنانية تجتمع للتفكير في هذه القضايا. في ظل الوضع الذي كان سائداً آنئذٍ حيث لم يلتق ناس “14 آذار” وحيث يعارض المسيحيون المؤيدون لـ “14 آذار” العونيين. وفي هذا السياق يمكن ذكر الانتخابات الفرعية التي جرت في المتن (محافظة جبل لبنان) التي أعطت الفوز بأكثر من 400 صوت للمرشح العوني كميل خوري ضد أمين الجميل إذن كان لدينا حول طاولة المحادثات (أي خلال الجولة الثالثة من الحوار اللبناني في سويسرا عونيين ومسيحيين غير عونيين وسنيين وشيعي من حزب الله وأستاذ جامعي ومحامون. منهم غالب محمصاني وهو لبناني فرنسي واحد محرري القانون الانتخابي يومها، لكنه بقي في الادراج “.
ووفقاً لبيسون: “هنالك بعض النقاط التي تثير الاختلاف في وجهات النظر بين المشاركين مثل الانتخاب التناسبي، إذ يطرح التساؤل إن كان يجب الاقتصار على دائرة انتخابية واحدة. وهنالك انصار هذه الفكرة التي تسمح بتمثيل الأحزاب الصغيرة. وتوجد بطبيعة الحال في لبنان أقليات تستهويها هذه الفكرة التي تخول لها الحفاظ على تمثيل سياسي. أما فيما يخص الديمقراطية التوافقية فهنا ندخل ميداناً تقنياً إذ لا يمكن أن نصل إلى اتفاق بين المشاركين إلا فيما يخص الخطوط العريضة لأن الأمور تصبح تقنية جداً؛ إذ كيف يمكن تحقيق التوازن بين السلطات الثلاث الرئاسية والتنفيذية والبرلمان؟ كيف يمكن حل الأزمات ومتى؟ ما العمل إذا ما عارض الرئيس أغلبية البرلمان؟ ما هو دور الرئيس؟ هل هو فوق كل المؤسسات؟ هل هو أب اللبنانيين؟ هو هو أب الأمة؟ هل يجب أن يتوفر له سلطة تنفيذية أوسع؟ كل هذه القضايا تجسد أسئلة على مستوى التناسب والتوازن بقيت مطروحة لكن ما يبدو لي مهم هو اتفاق هذه الشخصيات على الحفاظ وتطوير وتعميق ما يسمونه الديمقراطية التوافقية”.
ورداً على سؤال: بأن مبادرة الجمعية السويسرية المدعومة من قبل وزارة الخارجية السويسرية هي الوحيدة في نهاية المطاف التي نجحت في تحقيق هذا النوع من التوافق بين شخصيات لبنانية بعد فشل مبادرات كل من جامعة الدول العربية والمملكة العربية السعودية وفرنسا.. يقول ايف بيسون: “مبادرتنا هي التي لم تفشل، لأن مقاربتنا كانت مختلفة، المبادرات الأخرى أرادت معالجة الموضوع من الأعلى، أي انطلاقاً من المؤسسات الحكومية والقيادات السياسية الكبرى”. الجدير بالذكر هنا أن عمرو (الأمين العام لجامعة الدول العربية) تفاوض طيلة ليلة كاملة مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وافترقا في ساعات مبكرة من اليوم التالي من دون التوصل إلى اتفاق، ونحن جمعنا حول طاولتنا ممثلين عن مختلف الطوائف اللبنانية من دون تكليف رسمي، لكن الجميع يعرف جيداً أنه مراقب بطريقة أو اخرى من قياداتهم، كما أن هنالك عدداً من الشخصيات المشاركة التي تقول أنها تنتمي إلى المجتمع المدني، وبالتالي فهي غير مراقبة من القادة السياسيين، لكن الجميع يعلم إلى أي طائفة ينتمون، وبالتالي فهم ليسوا تحت الضغط. فالنقاش حول الطاولة كان يتم في غالب الأحيان بين أقصى الطرفين، وفي الوسط هناك لبنانيون يقترحون حلولاً لانهم لا ينتمون لا إلى هذا الطرف ولا إلى ذاك.
وعما توصلوا إليه بشأن العلاقات مع سورية والوثيقة تتحدث في احدى الفقرات عن تنقية ذاكرة العلاقات اللبنانية - السورية. يقول ايف بيسون: “أنه تعبير جميل عما يراد قوله. يعني ذلك أنه لا يجب النظر إلى الماضي بل إلى المستقبل. وبطريقة ما يدعو التعبير إلى نسيان أو عدم الأخذ بعين الاعتبار الأمتعة التاريخية التي تحمل في طياتها وقائع الماضي ومن بينها ما كان يسمى بسورية الكبيرة. ففي دمشق كانت تعتبر فلسطين في العشرينيات جزءاً من سورية، ثم انتزعت منها فلسطين، ثم جاء فصل لبنان، ولم تقم علاقات دبلوماسية بين دمشق وبيروت لأن البلدين كما يقال، ومنذ اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري تنتشر بقدر أكبر تصريحات مضادة لسورية في لبنان”. وقال ايف بيسون: “أعتقد أن سورية قد حصلت على هذه الوثيقة”.
أضاف: ناقشنا موضوعين فقط: “وتركنا القانون الانتخابي وإصلاح النظام القضائي، إذ قرر المشاركون أن النظام القضائي هو موضوع تقني وليس مثار جدل، وأنه بالإمكان العودة إليه عندما تستقر الأوضاع، وهذا قرار حكيم لأنه يجب التفكير بعقلانية في إصلاح النظام القضائي الذي يجب أن يخاطب جميع اللبنانيين”.
“أما فيما يخص موضوع النقاش (النظام الديمقراطي البرلماني والتوافقية، والعلاقات اللبنانية - السورية، فقد فوجئت برؤية تعقيدات أكثر خلال مناقشة النظام الديمقراطي، لكن المحادثات حول العلاقات مع سورية لم تكن سهلة كذلك، غير أن النص كان متوازناً وتنقية الذاكرة تحمل في طياتها أشياء لم تقل، وربما تضفي الأطراف المختلفة المشاركة في الحوار معاني مختلفة على كلمة “التنقية”.
أخيراً: قد يكون هناك المزيد من الحوارات بين اللبنانيين، لكن النتيجة الأهم هي أن يتم الوصول إلى نتائج حاسمة تخرج البلد من أزماته وتطور نظامه، وكل ذلك لا يتم إلا من خلال الحوار المستمر والدائم والفاعل، الذي يتوفر عبر تطوير آليات الديمقراطية التي تقوم على أساس قانون انتخاب عصري ومتطور وعادل يساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ويجعل الجميع قادرون على المشاركة لتطوير نظامهم.

يتبع ... 

(حلقة جديدة كل ثلاثاء وخميس)


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل