إبريق زيت الحوار اللبناني 1697 - 2021 وما بعدها (16/12) ـ أحمد زين الدين

الثلاثاء 22 حزيران , 2021 09:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

التشاطر السياسي لتهريب المحكمة الدولية ينهي طاولة التشاور

أقلام الثبات

ثمة أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون، كلما سمعوا عن حوار مزمع، أو التحضير لحوار، ومن هذه الأسئلة:
ماذا يمكن أن ينتج، وماذا ينتظرنا بعده وهل نحن أمام هدوء واستقرار أم أمام مرحلة جديدة من مخاض صعب لا يعرف متى ينتهي؟
واللبنانييون كما كانت حواراتهم تنتج أحياناً أزمات أو مدخلاً لأزمات كبرى، وحروب، كانت أيضاً مدخلاً لحلول، وفي كل الحالات، فإن التشديد والعمل من أجل الحوار له معنى واحد أن هناك أزمة ولابد من حل لها.

 

مواسم الحوار على مر الأزمنة في تاريخ لبنان الحديث كانت حاضرة، مرة كانت تفلح فتنتج سلاماً أهلياً ومرة كانت مدخلاً للفرقة والانقسام ... وفي السنوات ال 16 الأخيرة حفلت الرزنامة اللبنانية بمواعيد الحوارات الثنائية والحوارات الجماعية التي لم تؤد إلى نتائج تضع حداً للمأزق الذي دفع إليه لبنان وشعبه. وبعد أن عرفنا ماذا جرى على طاولة الحوار التي ابتدعها رئيس مجلس النواب نبيه بري بدءاً من 2 آذار 2006 ووضع حداً لها العدوان الإسرائيلي الواسع على لبنان في تموز - آب، رغم ما تخلل الفترة الممتدة بين آذار وتموز من مد وجزر وحوارات جدية أو متعثرة، إلا أن النتيجة حتى بالنسبة للأمور التي كان هناك إجماع عليها، كمسألة المحكمة الدولية والعلاقات اللبنانية - السورية والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات جرى الالتفاف عليها بأشكال مختلفة كي تبقى مواداً متفجرة سواء في الحوارات اللبنانية أو في العمل الرسمي على المستوى الحكومي أم لأي سبب آخر، وحتى لا تندفع الأمور أكثر نحو الهاوية خصوصاً أمام المحاولات التي جرت لإجهاض النتائج الهامة التي حققها لبنان جراء انتصار المقاومة الكبير في حرب تموز على العدو الإسرائيلي، ومن أجل تعزيز لغة التفاهم والقواسم المشتركة، ابتدع الرئيس نبيه بري شكلاً جديداً للحوار اللبناني - اللبناني بدعوته في 25 تشرين الأول إلى ما أطلق عليه طاولة التشاور ابتداءً من 6 تشرين الثاني 2006 والتي ضمت نفس أقطاب طاولة الحوار الذي كان قد بدأ في 2 آذار. وكان الرئيس بري في دعوته الجديدة خلال مؤتمر صحافي عقده في 25 تشرين الأول قد حدد غاية هذا اللقاء بأنه للتشاور وليس للحوار، وحدد مدته بـ 15 يوماً وعلى جدول الأعمال نقطتان أساسيتان هما:
- حكومة الوحدة الوطنية.
- قانون جديد للانتخابات.
وبين الإعلان عن طاولة التشاور وانطلاقتها، لوحظ محاولات عديدة، لتشعيب جدول الأعمال الذي أعلن عنه الرئيس بري، فطرح مسألة رئاسة الجمهورية وسلاح المقاومة. ولوحظ أيضاً محاولات من قبل بعض أفرقاء 14 آذار للعودة إلى بعض ما عجز عنه عدوان تموز - آب، خصوصاً لجهة سلاح المقاومة ودورها.
وطرحت مقولة "صيغة واضحة" لمعالجة هذا السلاح، إضافة إلى إجراء تعديل في البيان الوزاري للحكومة، لأن موضوع مزارع شبعا سيحال إلى الحل الدبلوماسي حسب القرار 1701، في حين أن بيان الحكومة التزم دعم المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا، الخ... .
ومن الواضح أن هذه المحاولات كانت تهدف إلى نسف طاولة التشاور قبل أن تبدأ، وهو ما جرى إجهاضه، ليستمر جدول الأعمال كما حدده الرئيس بري في مؤتمره الصحافي.
.. وانطلقت الجلسة الأولى للتشاور في موعدها المحدد في 6 تشرين الثاني، وشهدت مداخلات وسجالات امتدت على مدى نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة، لم تسفر إلا عن اتفاق على هدنة إعلامية وكسر للجليد الذي يتحكم بالعلاقة بين الأفرقاء، وقد عكس المؤتمر الصحافي المقتضب للرئيس بري في نهاية هذه الجلسة الواقع، فوصف الجلسة بالجيدة، والأجواء بالإيجابية.
وقال: تخلل الجلسة عرضاً عاماً من كل الأخوة المتحاورين للمشكلات، ولضرورة التوصل إلى إيجاد حل لأنه لا يجوز إبقاء الوضع على ما هو عليه، وبالتالي كان هناك كسر للجليد الذي كان قائماً، وكان الجميع حريصاً على التكافل والتضامن لحل المشكلات والتوحد، انطلاقاً من  هنا بدأنا بالاتفاق على هدنة إعلامية آملين من الإعلام أن يساعدنا، خصوصاً الأخوة الإعلاميين المعتمدين في مجلس النواب، لأن الهدنة الإعلامية تساعد لكي لا يكون هناك توتير لهذه الأجواء، وكان هناك تأكيد أيضاً للجدية التي يتمتع بها الجميع.
ورفض الرئيس بري الرد على أسئلة الصحافيين.
في اليوم الثاني من التشاور في 7 تشرين الثاني لوحظ التوتر في الأجواء، تمكن الاطفائي مدير الحوار من تهدئته، وتأجيله لمدة 48 ساعة.
في اليوم التالي، ترددت معلومات أن الحكومة اللبنانية ستتسلم الأحد في 12 تشرين الثاني، المسودة النهائية للمحكمة الدولية.
وهكذا وفي الموعد المحدد للجلسة الجديدة للتشاور، وفيما كانت المشاورات الجانبية تجري على قدم وساق بين الرئيس نبيه بري ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد من جهة، ورئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري من جهة ثانية، وكان يشارك أحياناً رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وبعد أن اتفق على توزيع مسودة المحكمة الدولية الأحد على الوزراء لمناقشتها على أن تعقد الحكومة جلسة يوم الثلاثاء أو الأربعاء، فوجئ الرئيس بري بالدعوة سراً لعقد جلسة لمجلس الوزراء يوم الاثنين أي في اليوم التالي لاستلام مسودة المحكمة الدولية، مما وضع علامات استفهام عديدة حول سر هذا الاستعجال، فإنفرط عقد التشاور، واستقال الوزراء الشيعة الخمسة. إضافة إلى الوزير الارثوذكسي يعقوب الصراف من الحكومة... وبالتالي ليدخل لبنان مرحلة جديدة من حياته السياسية لم يشهد مثيلاً لها في تاريخه منذ إعلان دولة لبنان الكبير في العام 1920، خصوصاً، حين اعتبر رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، وقوى 8 آذار، أن حكومة السنيورة، أصبحت غير ميثاقية وغير دستورية وغير شرعية باستقالة المكون الشيعي فيها، وناقصة التمثيل المسيحي، باستقالة وزير ارثوذكسي، وقدم القاضي وعضو مجلس الدستوري السابق ووزير التربية في حكومة فؤاد السنيورة الأولى خالد قباني، مرافعة قلل فيها من أهمية خروج وزراء طائفة برمتها من السلطة التنفيذية، علماً أن مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها بعد استقالة الوزراء، اعتبرهم غائبين عن الجلسة فقط .. وازداد الخلل في حكومة السنيورة الأولى، بعد اغتيال الوزير بيار الجميل، فصارت فاقدة للتمثيل الشيعي وناقصة التمثيل مسيحياً، ناهيك عن انقلاب وزيرين على من يمثلون، وهما: الياس المر، وشارل رزق، لكن السنيورة ومن خلفه قرروا الاستمرار في الممارسة المناقضة للميثاق وللدستور والطائف، ودفعوا البلد إلى حافة الخطر.

يتبع ... 

(حلقة جديدة كل ثلاثاء وخميس)


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل