سباق التدمير والإنقاذ ـ عدنان الساحلي

الجمعة 11 حزيران , 2021 10:23 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تستمر مسرحية تشكيل الحكومة الفاشلة، بمشاهدها المتعددة، فيما الشعب اللبناني مجرد ضيف يتم إحضاره غب الطلب. وهو بين مصدق ما تراه عيناه وبين ما يرفضه عقله. فالأمر يشبه فيلما سينمائياً يجمع الكوميديا والتراجيديا. وهو مجرد تمثيل بتمثيل وتقطيع للوقت، في إنتظار كنز قد تخرجه الأرض من باطنها، أو كارثة تفوق إنفجار مرفأ بيروت، تلهي الناس عن مطالبها وجوعها؛ وتنقذ منظومة الفساد والسرقة الحاكمة في لبنان، من مستحقات ما فعلته أياديها خلال السنين والعقود السابقة.
من يصدق أن سعد الحريري يريد قيادة مسيرة إنقاذ للبلد، لا يختلف عمن صدق بأن وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية سيحقق إصلاحاً وتغييراً، في نظام عصي على التغيير والإصلاح. وهل يسمع أحد هذه الأيام حديثاً عن إصلاح وتغيير، أم أن الكباش يدور حول محاصصة وفحيح أفاع طائفية من هذه الجهة وتلك؛ و"خطوط حمر" رسمتها مرجعيات الطوائف لمنع المسّ بنظام الفساد ورموزه. والحريري لن يكرر خطأ عون ولن يشكل حكومة تتفجر الأزمات في وجهها، أو يمنعه شركاؤه فيها من أخذ البلد حيثما يشاء وحيثما يريد أصحاب القرار في الرياض وواشنطن.  
عندما ترشح العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، تساءل كثيرون كيف يمكن لغير حالم أن يتقدم لحكم بلد شبه مفلس، تخطت ديونه المائة مليار دولار، فيما صاحب دعوة التغيير لا يملك بين يديه لا السلطة ولا عناصر القوة اللازمة، التي تخوله الضرب على أيدي الفاسدين والسارقين، فكانت الصفقة الرئاسية مع سعد الحريري، جواباً شافياً قطع الأمل بإصلاح البلد وإنقاذه من المصير الأسود، الذي رماه فيه تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف وكبار الأثرياء، الذي لم يكتف طوال ثلاثين عاماً من الحكم، بصفقات النهب وبتوظيف المحاسيب والأزلام؛ وتوريط الجيل الحاضر من اللبنانيين والأجيال القادمة بديون تفوق طاقتهم على تحملها  وسدادها، بل عمد إلى نهب أموالهم في المصارف. وما لم يبذره من تلك الأموال على بناء الدور والقصور ومظاهر الغنى وإسراف الزوجات والأبناء، تولى تهريبه إلى الخارج بتواطؤ مع أصحاب المصارف، الذين تصرفوا بأموال المودعين من دون وجه حق وبما يخالف القوانين، التي يحول شركاؤهم في السلطة دون تطبيقها بحقهم، بما يمنع إعادة الأموال إلى أصحابها. 
وأصبح من نافل القول الحديث عن العقوبات الأميركية والحصار المالي والإقتصادي المفروض على لبنان، بمشاركة كل أتباع السياسات الأميركية في المنطقة. لكن مشاركة الداخل اللبناني في تعطيل مساعي مواجهة تلك العقوبات وذلك الحصار، هي التي تدفع للسؤال عما فعل اللبنانيون لمواجهة ذلك التواطؤ المشؤوم. أقله في فتحهم مجالات المنافسة لتأمين حاجات المواطن الضرورية، من مصادر غير تلك المشاركة في إفقار اللبنانيين وتجويعهم. وأول ما يخطر على بال المواطن هو تحرير إستيراد المواد النفطية والأدوية من أيدي كارتيلات المحتكرين المحيميين بالوكالات الحصرية، التي فشلت كل المساعي والحكومات في المس بها، طوال عشرات العقود الماضية، فهي أحد مصادر النفوذ والسلطة والثراء لدى منظومات الفساد المتاجرة بالطوائف والمحتمية بها، بعد أن تحولت تلك الطوائف على أيدي مرجعياتها إلى متاريس لحماية الفساد والفاسدين. و"الخطوط الحمر" المعروفة ورموزها، خير دليل على هذه الوظيفة غير المقدسة التي تلعبها مرجعيات الطوائف في قهر اللبنانيين وإذلالهم، إن كان على أبواب الصيدليات، أو في الطوابير الطويلة أمام محطات المحروقات. وقد نكون قريباً أمام إصطفاف طوابير الباحثين عن رغيف الخبز، أمام الأفران وغيرها من مصادر المواد الحياتية الحيوية.  
كل ذلك يدفع اللبنانيين إلى المطالبة بالخروج من دوائر التصاريح والاستنكار، إلى مواقع الفعل والقرار، عبر البدء بتغيير قواعد اللعبة. وأول الخطوات هي الغاء الوكالات الحصرية، التي تكذب كل من يدعي أن في لبنان نظاماً إقتصادياً حراً. فالوكالات الحصرية تناقض حرية الإقتصاد وتعطل المنافسة. وأصحاب الوكــالات الحصرية في معظمهم، هم أنفسهم يتحكمون بوكالات حصرية للكثير من السلع في وقت واحد. ورفع الحماية عن تلك الوكالات أو إلغائها، مطلب شعبي مزمن منذ خمسينات القرن الماضي. وهذه الوكالات جعلت لبنان البلد الأغلى في العالم والمنطقة، حسب ما كان يردد السواح العرب والأجانب، فكيف الحال مع اللبناني المحدود الدخل، قبل هذه الأزمة وخلالها. حتى أن الإبقاء على الوكالات الحصرية  يتعارض مع شروط الإنضمام الى الشراكة الأوروبية؛ والى منظمة التجارة العالمية (W.T.O)، لأن حماية الوكالات الحصرية يشكل خرقاً لمبدأ حرية السوق وفتح الأبواب أمام المنافسة. والمطالبة بالغاء تلك الوكالات، هي المدخل الصحيح لكل من يطالب بإيجاد حلول جدية وصادقة، لمشكلة حصول اللبنانيين على الأدوية والمحروقات، باسعار غير تلك التي يحضّر لها كبار التجار والمحتكرين؛ والتي ستجعل المريض يموت من دون دواء والسيارة مجرد خردة، لا يملك صاحبها القدرة على تحريكها وقيادتها؛ ورغيف الخبز فوق طاقة الفقير على الحصول عليه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل