الثبات - إسلاميات
هناك أمور عديدة تتعلق بالإنسان، ولعلنا نقول: هناك أمور يكون فيها الإنسان مخيراً، وهناك أمور يكون فيها الإنسان مسيراً، وكلها تحت مشيئة الله تبارك وتعالى. الأمور التي يسير فيها الإنسان هي أمور البياض والسمار، الطول والقصر، السقم والصحة، العمر ومثيلاتها في هذه الحياة مما لا يستطيع الإنسان تغييره مهما فعل، اما الأمور المخيرة هي الأعمال التي يقوم بها الإنسان من طاعة أو معصية، قال الله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون } سورة التوبة-الآية 105، هنا في الآية نجد أن الإنسان مسؤول عن أعماله؛ فإن كانت صالحة أثيب؛ وإن كانت سيئة عوقب، ولو لم يكن الإنسان مخيراً في هذه الأعمال لما وجد الثواب والعقاب من الخالق عز وجل. الإنسان بعمله مخير؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} سورة الكهف-الآية 29، إلا أن هذا التخيير تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} سورة التكوير-الآية 29. أما قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} سورة يونس-الآية 22: إن هذا التيسير ليس من باب الإلزام بل باختيار الإنسان ومشيئة الله سبحانه وتعالى، أصل العمل مخلوق من قبل الله تبارك وتعالى، أما كسب العمل فيكون من خلال العبد، قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} سورة البقرة- الآية 286؛ الكسب هنا مطلق إلا أنه بمشيئة الله تبارك وتعالى، والإنسان بطبيعته لا يستطيع الخروج عن دائرة مشيئة الله تبارك وتعالى. الله سبحانه وتعالى يحاسب على قيام الفعل إذا فعله العبد، ولا يحاسب على الأفعال بوجودها، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما واللفظ لمسلم، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: ((إِنّ الله كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ. ثُمّ بَيّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله عَزّ وَجَلّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ. وَإِنْ هَمّ بِسَيّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً... وَإِنْ هَمّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا الله سَيّئَةً وَاحِدَةً))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ له: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ، فإنَّ الرَّجُلَ مِنكُم لَيَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ الجَنَّةِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ))؛ وهذا من باب علم الغيب، فالله سبحانه وتعالى علم أن هذا العبد سيقوم بكذا وكذا فكتبه عليه، وليس من باب الالزام. المشيئة لا تعني الرضا؛ وذلك لأن الله تبارك وتعالى لا يرضا لعباده الكفر، وهو في الوقت نفسه لا يخرج عن إرادة الله، بل يحدث بمشيئة الله تبارك وتعالى.