1975 - 1981 الحوار المتعثر والعدوان الإسرائيلي المتصاعد
أقلام الثبات
ثمة أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون، كلما سمعوا عن حوار مزمع، أو التحضير لحوار، ومن هذه الأسئلة:
ماذا يمكن أن ينتج، وماذا ينتظرنا بعده وهل نحن أمام هدوء واستقرار أم أمام مرحلة جديدة من مخاض صعب لا يعرف متى ينتهي؟
واللبنانييون كما كانت حواراتهم تنتج أحياناً أزمات أو مدخلاً لأزمات كبرى، وحروب، كانت أيضاً مدخلاً لحلول، وفي كل الحالات، فإن التشديد والعمل من أجل الحوار له معنى واحد أن هناك أزمة ولابد من حل لها.
لم يحل قيام حكومة برئاسة الرئيس الشهيد رشيد كرامي في 28 أيار 1975 دون تطور الاشتباكات فتعددت الأصوات المطالبة بالحوار الوطني فكان أن أعلن الرئيس رشيد كرامي في ظل سعي سوري، تشكيل هيئة الحوار الوطني في 24 أيلول، ضمت شخصيات تمثل مختلف القوى والتوجهات السياسية والاجتماعية في البلاد بغية الوصول إلى اتفاق عله يشكل مدخلاً صالحاً لحل الأزمة المتفاقمة، وقد تألفت هذه الهيئة من الشخصيات الآتية: كامل الأسعد، رشيد كرامي، كميل شمعون، عبد الله اليافي، صائب سلام، مجيد أرسلان، فيليب تقلا، غسان التويني، كمال جنبلاط، بيار الجميل، ريمون إده، رينيه معوض، خاتشيك باباكيان، الياس سابا، رضا وحيد، عباس خلف، نجيب قرانوح، ادمون رباط، عاصم قانصوه، وحسن عواضه.
عقدت هذه الهيئة اجتماعها الأول في 25 أيلول الذي تميز بمشادة حادة بين ريمون إده، وبيار الجميل، على قاعدة سيادة واستقلال لبنان، حيث اتهم إده الجميل وحزب الكتائب بالتفريط بسيادة لبنان واستقلاله منذ العام 1969. وفي ختام اللقاء الأول اجمع المتحاورون على ضرورة إعادة الامن والحياة الطبيعية إلى لبنان والتمسك بصيغة التعايش ووحدة الشعب والأرض وأن الوطن للجميع، كما شكلت لجان مختلفة لوضع تصور لإصلاح سياسي ودستوري في البلاد كان أبرزها كيفية الإصلاح السياسي، لكن كل ذلك لم يحل دون مزيد من تدهور الاوضاع حيث مورست ابشع أنواع عمليات الخطف والقتل والدمار. وبعد عدة لقاءات واجتماعات سواء لهيئة الحوار أو لما تفرع عنها من لجان مختلفة، عقدت هذه الهيئة اجتماعاً في 24 تشرين الثاني فتغيب عنه كميل شمعون وكمال جنبلاط، مما دفع الرئيس صائب سلام والعميد ريمون إده إلى الانسحاب فانفرط عقد الهيئة نهائياً دون أن تتمكن من الوصول إلى أي نتيجة.
الجدير بالذكر أنه في 4 تشرين الأول من عام 1975 كانت قد عقدت قمة اسلامية - مسيحية في بكركي ثم في دار الفتوى، وكان الحوار رائعاً كما خرجت بتوصيات تؤكد التمسك بصيغة العيش المشترك والسيادة الوطنية ورفض التقسيم، كما دعت الدولة إلى استعجال الاصلاح واستعمال اقصى ما يخولها إياه القانون، لكن كل ذلك لم يؤد إلى التهدئة فاستمرت الأوضاع على تدهورها.
خلال ذلك استمرت ولادة الجبهات السياسية المختلفة، ففي 31 كانون الثاني 1976 اعلنت ولادة "جبهة الحرية والانسان" في الكسليك بعد أن كانت الحركة الوطنية اللبنانية قد أعلنت في السابق قيام صيغة ائتلافية للقوى والأحزاب والحركات الوطنية والتقدمية اللبنانية تحت اسم "المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية" وفيما بعد تحولت "جبهة الحرية والانسان" إلى "الجبهة اللبنانية" وفي 11 تموز 1976 أعلن ولادة "جبهة الاتحاد الوطني" التي ضمت الرؤساء: رشيد كرامي، صائب سلام، أحمد الداعوق، ورشيد الصلح، النائبان مخايل الضاهر والبير منصور، وكل من: أمين بيهم الدكتور نجيب قرانوح وغيرهم من الشخصيات، كما ولدت أيضاً "الجبهة القومية" في مواجهة المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية برئاسة كمال شاتيلا وكانت مدعومة من سورية.
لقد حفلت سنة 1976 بعدة تطورات كان أبرزها إعلان الرئيس سليمان فرنجية الوثيقة الدستورية في شهر شباط وانقلاب العميد عزيز الأحدب في آذار والمطالبة بإستقالة الرئيس فرنجية بواسطة عريضة وقعها 66 نائباً، ثم انتخاب الرئيس الياس سركيس رئيساً للجمهورية الذي كان قد سبق بحرب الثكنات وانقسام الجيش اللبناني لتستمر الأوضاع في تدهورها بحيث لم تفلح كل مساعي التسوية، في نفس الوقت الذي تمت فيه حركة تهجير من كل المناطق، بالرغم من المحاولات التي جرت لوقف عملية التهجير التي اقتربت من عمليات الفصل الطائفي.
في مطلع شهر أيلول عام 1976 عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً طارئاً قرروا بموجبه عقد قمة خاصة بالأزمة اللبنانية في النصف الثاني من شهر تشرين الأول فعقدت في القاهرة ثم تحولت هذه القمة إلى قمة سداسية عقدت في الرياض في 18 تشرين الأول وضمت كلاً من مصر، سورية، فلسطين، الكويت، المملكة العربية السعودية، ولبنان، فتقرر في هذه القمة حل الازمة اللبنانية وتقرر إنشاء قوات ردع عربية ووقف القتال في صورة نهائية والالتزام به التزاماً كاملاً من جميع الأطراف وفتح جميع الطرقات والمعابر، كما قرر المؤتمر الالتزام بإزالة آثار النزاع والأضرار التي حلت بالشعبين اللبناني والفلسطيني وتنفيذ اتفاق القاهرة وملاحقه.
إذا كانت هذه الاجتماعات العربية قد حملت هدنة إلا أنه في مطلع كانون الثاني توحد مسلحو الميليشيات المسيحية بقيادة بشير الجميل تحت اسم "القوات اللبنانية" وفي 3 شباط حدث تطور هام في موقف كمال جنبلاط بشأن تأييده الرئيس الياس سركيس ورئيس حكومته سليم الحص، حيث أعلن أن سركيس يعمل بإخلاص من أجل الانتقال بلبنان بصورة نهائية إلى حالته الطبيعية، لكن هذه الموقف الجنبلاطي لم يتسن له أن يتطور لأنه اغتيل في 16 آذار 1977.
لم يستطع الحوار اللبناني - اللبناني الذي أراده الرئيس سركيس أن يتقدم ففي شهر أيار وقع الصدام الأول بين "القوات اللبنانية" والجيش السوري في قرية بلا في الشمال لتتصاعد بعده الصدامات تدريجياً والتي كانت تترافق مع تصعيد مستمر للاعتداءات الاسرائيلية، وكانت المحطة الأخطر في 9 تشرين الثاني 1977 حينما زار الرئيس المصري أنور السادات القدس المحتلة فكانت هذه الزيارة بالنسبة إلى لبنان زلزالاً قلب الكثير من المعادلات توجت في 14 آذار 1978 بعدوان اسرائيلي واسع على الجنوب تحت اسم "عملية الليطاني" وأعلنت تل أبيب على أثره تنصيب العميل الرائد سعد حداد مسؤولاً على المنطقة التي احتلتها .. لتتصاعد بعد ذلك وتيرة الصراعات والانقسامات الداخلية، ففي فجر 13 حزيران 1978 شن نحو 1500 مسلح من "القوات اللبنانية" هجوماً على اهدن واغتالوا النائب طوني سليمان فرنجية وزوجته وطفلته ابنة السنتين، كما ارتكبوا مجزرة مروعة بحق الأهالي كما هزت الطائفة المارونية تجربة ثانية في 7 تموز 1980 حينما هاجم المئات من مسلحي "القوات اللبنانية" منطقة الصفرا في عملية واسعة لتصفية التنظيم العسكري لحزب الوطنيين الأحرار، وطوال الحرب الأهلية لم تنفع كل محاولات الحوار والدعوات إليه، وكانت الخلافات في كل منطقة تصل في كثير من الأحيان إلى الصدام المسلح والحوار الذي كان يعقبه هدوء مؤقت لم يكن أبداً من صنع اللبنانيين بل كان نتيجة تدخلات ومساع عربية واستمر الوضع على هذه الشكل التراجيدي حتى مطلع العام 1982 .. ليكون لبنان على موعد جديد من الصرع .. والدم .. والدعوات إلى الحوار ... والحوار ... .
يتبع ...
(حلقة جديدة كل ثلاثاء وخميس)