الثبات - إسلاميات
سلسلة أسماء الله الحسنى
اسم الله التَّوَّابُ
فالتَّوابُ هُو مِنَ التَّوبةِ، وَهِي تُفِيدُ مَعنى الرُّجُوع، يُقَال: تَابَ إِذا رَجَعَ، وَالتَّوابُ فَعَالٌ مِنْ تَابَ يَتُوبُ أي يَقبلُ تَوبةَ عِبادِه، وَفَعالٌ مِنَ أَبنيةِ المُبَالغةِ، وَجاءَ تَواب عَلَى أَبنيةِ المُبَالغةِ لِقَبولهِ تَوبةَ عِبادِهِ وَتَكرِير الفِعلِ مِنْهُم دَفعة، وَواحِداً بَعدَ وَاحدٍ طُولَ الزَّمان، وَقبولهِ عزَّ وجلَّ مِمن يَشَاء أنْ َيقبلَ مِنُه، فَلذلِكَ جَاءَ عَلَى أَبنيةِ المُبَالغةِ، فَالعبدُ يَتوبُ إِِلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وَيُقلعَ عَنْ ذُنوبِه، واللهُ يَتوبُ عَلِيهِ أي يَقبلُ تَوبتهُ، فالعبدُ تائِبٌ واللهُ تَوَّابٌ.
التَّوَّابُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عَبادِهِ حاَلًا بَعْدَ حالٍ، فَمَا مِنْ عَبْدٍ عَصَاهُ وبَلَغَ عصيانهُ مَدَاهُ ثُمَّ رَغِب فِي التَّوْبَةِ إليهِ إلَّا فَتَحَ لَهُ أبْوَابَ رحمَتِهِ، وفَرِحَ بعودَتِه وتَوْبَتِهِ، مَا لَمْ تُغَرْغِرِ النفسُ أو تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَي رضي الله عنه مَرْفُوعًا: "إن الله عَزَّ وَجَل يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسيءُ اللَّيْلِ حَتي تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا"، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّ الله يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْد مَا لَمْ يُغَرغِرْ"، ولو أَنَّ إنسَانًا اتَّبع هَوَاهُ أَوِ استَجَابَ لشيطانِهِ، وتَمادَى في جُرْمِهِ وَعِصْيَانِهِ، فَقَتَلَ مِائَةَ نَفَسٍ، وارْتَكَبَ كُلَّ إثْمٍ، وأرادَ التَّوْبَةَ والغُفْرَانَ تابَ عليهِ التَّوَّابُ، وبدَّلَ لهُ عَدَدَ مَا فَاتَ مِنَ السَّيِّئَاتِ بِنَفْسِ أعدَادِهَا حَسَنَاتٍ، قَالَ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70]، ورَوَي الترمذيُّ، وَحَسَّنَهُ الألبانِيُّ منْ حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَالَ الله: يَا ابْنَ آدَمَ إنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاء ثُمَّ اسْتَغْفَرتَني غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرةً".
هَذَا فَضْلًا عَنْ فَرَحِ التَّوَّابِ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ وَعَوْدَتهِ إِلَى رَبِّهِ، فَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: "لله أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَة أَحَدكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إذَا وَجَدَهَا"، إنَّ المُذْنِبَ مُخْطِئٌ فِي جَنْبِ الله وعِظَمُ الذَّنْبِ يُقَاسُ بِعظَمِ مَنْ أَخطَأْتَ فِي حَقِّهِ، فَلَوْ قَبِلَ الله تَوْبَةَ المُذْنِبِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ القَبُولِ فَقَطْ كَرَمٌ بَالِغٌ ومِنَّةٌ مِنَ الله عَلَى عَبْدِهِ، فَمَا بالُنَا وَهُوَ يَقْبَلُ توبَةَ المُذْنِبِ بِعَفْوٍ جَدِيدٍ وَفَرَحٍ شَدِيدٍ، وَيَجْعَلُ فِي مُقَابِلِ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ أَجْرًا كَبِيرًا.
وكَذَلِكَ التَّوَّابُ مِنْ أَوْصَافِهِ ... وَالتَّوْبُ فِي أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ
إِذْنٌ بِتوْبَةِ عَبْدِهِ وَقَبُولُها ... بَعْدَ المَتَابِ بِمِنَّةِ المَنَانِ
ثمرة الإيمان باسم الله التواب
1- اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَوَ (التَّوَّابُ) الذِي لَمْ يَزَلْ يَتُوبُ عَلَى التَّائِبِينَ، وَيَغْفِرُ ذنوبَ المُنِيبِينَ، فَكُلُّ مَنْ تَابَ إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحًا تَابَ الله عَلَيْهِ وَقَبِلَهُ، فَهُوَ التَّائِبُ عَلَى التَّائِبِينَ أَوَّلًا بِتَوْفِيقِهِم للِتَّوْبَةِ، وَالإِقْبَالِ بِقُلُوبِهِم إِلَيْهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُوَفِّقُ عِبَادَهُ للِتَّوْبَةِ، وَيَقْبَلُهَا مِنْهُم وَيُثِيبَهُم عَلَيْهَا، فَسُبْحَانَ التَّوَّابِ الرَّحِيمِ، الجَوَادِ الكريمِ.
قَالَ الأُقْلِيشيُّ: "سَمَّي الله سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ تَوَّابًا؛ لِأَنَّهُ خَالِقُ التَّوْبَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَمُيَسِّرُ أَسْبَابَهَا لَهُم، وَالرَّاجِعُ بِهِم مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي يَكْرَهُ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي يَرْضَى.
2- اللهُ تَعَالَى هُوَ المُتَفَرِّدُ بِقَبُولِ تَوْبَةِ التَّائِبِينَ مِنْ عِبَادِهِ، لاَ يُشْرِكُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَالخَطَايَا إِلَّا هُوَ، قَالَ القُرْطُبيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلاَمَ الأُقْلِيشِيِّ وَابْنِ الحَصَّارِ: "وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لأِحَدٍ قُدْرةٌ عَلَى خلْقِ التَّوْبَةِ فِي قَلْبِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ المُنْفَرِدُ بِخَلْقِ الأَعْمَالِ وَحْدَهُ خِلاَفًا للِمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ قَالَ بقَوْلِهِم، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَ تَوْبَةَ مَنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ.