مقالات مختارة
تسير العلاقات التركية - الأميركية ببطء شديد، وتبدو الإشارات الصادرة من العاصمتين متناقضة، إذ أشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أهمية دور تركيا الذي لا يمكن الاستغناء عنه في إطار حلف شمال الاطلسي، إلا أن تقرير حقوق الإنسان الذي أصدرته وزارة الخارجية أخيرًا، تضمن إنتقادات متعددة لتركيا في شأن حرية التعبير والتظاهر، فضلًا عن صواريخ "إس-400 "الروسية، وجماعة غولن، ومسألة "بنك خلق"، والعلاقة بين واشنطن و"وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا.
علاقات متناقضة بين تركيا واوروبا
في وقت تمضي العلاقات بين الولايات المتحدة وخصميها، روسيا والصين، نحو مسارات حادة وعدائية، لا تمتلك أنقرة ترف الوقوف إلى جانب طرف ضد آخر، وهي تفضل أن تبقى على مسافة واحدة من الجميع. وإذا كان الاتحاد الأوروبي لا يزال يبدي "مرونة" في تعامله مع تركيا، خصوصًا بعد قراره عدم فرض عقوبات عليها، الا أن الأوروبيين أبلغوا أنقرة أن واشنطن تريد منها أن تبقى جزءا من التحالف العابر للاطلسي، إذ إنها تعتبرها مهمة جدًا في المكان الذي تقف فيه، ويجب عدم خسارتها. باختصار، تريد واشنطن من أنقرة أن تقف إلى جانبها ضد الصين وروسيا. ويبدو أن الرهان على إحتمال نجاح الرئيس إردوغان في التملص من العقوبات، والتعاون مع إدارة بايدن، بات أمرًا صعبًا.
العلاقات التركية - الأوروبية تبدو ظاهريًا في وضع أفضل، ولكن الواقع ليس كذلك. أوروبا ترغب في تحسين العلاقة مع تركيا، لكن الوقت لا يزال مبكرًا، إذ يطالب الاتحاد الأوروبي إردوغان بعدم الوقوف إلى جانب روسيا، وإيجاد حل لمسألة صواريخ "إس-400 "يرضي الطرفين، ويفتح الباب أمام مكاسب تركية في مجالات كثيرة مع الغرب، وفي مقدمها تحديث الإتحاد الجمركي مع أوروبا. كما يطالب بعدم تهديد أوروبا باللاجئين المسلمين، وعدم تهديدها أيضًا عبر اليونان وقبرص الجنوبية. وخلاف ذلك، فإن حزام النار يضيق على تركيا ويصبح من الصعوبة، بل من المستحيل، الدفاع عنه.
يبدي الإتحاد الأوروبي مرونة ورغبة في تطوير "نهج تدريجي" للعلاقات مع تركيا، وفي هذا الاطار، زار كل من رئيس المجلس الأوروبي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أنقرة والتقيا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وجرى البحث عن مقاربات إيجابية في الملفات الخلافية بين تركيا والإتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز التعاون، وفي إطار المهلة التي حددتها في القمة الإفتراضية التي عقدت في 25 آذار الماضي، وجرى خلالها تقييم لعلاقات التكتل مع تركيا، واتفاق على مهلة لمراقبة التطورات، وحل الخلافات مع تركيا بطريقة تدريجية حتى حزيران المقبل.
ناقش المسؤولان الأوروبيان مع إردوغان سبل الدفع، تدريجيًا، باتجاه تحسين العلاقات الإقتصادية، وتنفيذ المطلب التركي الملح بالبدء في مفاوضات لتحديث إتفاقية الاتحاد الجمركي الموقعة بين تركيا والتكتل الأوروبي عام 1995، إلى جانب تحديث إتفاقية الهجرة وإعادة قبول اللاجئين الموقعة في 18 آذار 2016، وعدد من القضايا الخلافية، خاصة التركي - اليوناني - القبرصي حول التنقيب على موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط، والتدخل التركي في كل من سوريا وليبيا وناغورني قره باغ. واحتل تحديث إتفاقية الهجرة أولوية، نظرًا لما يوليه الطرفان من أهمية، خاصة أنقرة التي عّدت أن التوصل إلى إتفاقية جديدة أو تحديث الاتفاقية القائمة سيكون مفتاح تحقيق تقدم كبير في مسار العلاقات بين أنقرة وبروكسل. وترغب تركيا في الحصول على مكاسب عبر ملف اللاجئين، وزيادة الدعم المالي الذي ضمنته الاتفاقية المقدر بـ6 مليارات يورو، فضلا عن إلتزام الاتحاد الاوروبي بإلغاء تأشيرة الدخول إلى دوله الأعضاء بالنسبة للمواطنين الأتراك، بعد أن وضع أمام تركيا أكثر من 70 معيارًا عليها استيفائها من أجل إلغاء التأشيرة، أصعبها مطالبة الإتحاد لتركيا بتعديل قانون مكافحة الارهاب.
وتجدر الإشارة الى أن القمة الأوروبية لم تُشر مطلقًا إلى العضوية الكاملة لتركيا في الإتحاد، ذلك أنه لا ينظر إلى تركيا على أنها بلد مرشح للعضوية، بل بلد له مصالح في إطار هذه العلاقات، وفي مقدمها ما يتصل بملف اللاجئين السوريين، والوضع في شرق المتوسط.
صفحة جديدة بين تركيا ومصر
بعد سلسلة من التصريحات الودية من جانب أنقرة أعقبها الاعلان عن بدء إتصالات على مستوى المخابرات والمستوى الدبلوماسي، أسفرت عن خطوات أبرزها إلزام أنقرة ثلاث قنوات تلفزيونية تابعة لـ"الإخوان المسلمين" تبث من إسطنبول، بوقف خطابها المحرض على مصر.
إشارة الانطلاق في سياسة الانفتاح على مصر"بوابة تركيا الى أفريقيا"، صدرت عن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ، مشددًا على أن الشعب المصري ليس منفصلًا عن الشعب التركي وليس واردا أن يقف الى جانب اليونان. بعد ذلك، إنطلقت حملة تصريحات وتسريبات وتبريرات من مسؤولين ومحللين أتراك بشأن التحول في اتجاه تطبيع العلاقات مع مصر، وركزت على النقاط التالية:
*الشراكة مع مصر تخفّض التوتر في المنطقة وتساعد على الإستقرار في شمال إفريقيا وفي شرق المتوسط حيث "الحدود القارية" الاطول هي بين تركيا ومصر.
*إتفاقية بين مصر وتركيا من شأنها أن تقلب الموازين رأسا على عقب، وتسهم في التوصل إلى حلول للخلافات القائمة في شرق المتوسط. وعلى رأس هذه القضايا مسألة التراجع عن مّد الخط المسمى "إيستميد" من قبرص إلى إيطاليا، وربما إستبدال آخر به يمر برا عبر ليبيا ومنها تحت البحر إلى جزيرة كريت اليونانية. كذلك، يمكن لإطلاق محادثات بين تركيا ومصر أن يخفّف من المطالب المتطرفة لليونان.
*مصر زعيمة العالم العربي تاريخيا وثقافيا وسياسيا ويجب تنظيم العلاقات معها، ليس وفقا للسياسات وإنما وفقا للحقائق. وإعادة التواصل مع مصر هي رجوع عن خطأ واضح ما كان يجب أن يحصل، ويصب في مصلحة الطرفين، لأن مصر أيضا في حاجة الى نجاحات على مستوى السياسة الخارجية في ظل الانهيار الاقتصادي والقلق على مياه النيل.
*مصر مهمة بالنسبة الى تركيا، إذ إن حجم العلاقات التجارية بلغ مرة ستة مليارات دولار قبل أن يتراجع بنسبة كبيرة، فيما تبلغ الاستثمارات التركية في مصر ملياري دولار، كما توجد في مصر 256 شركة تركية.
مصر التي ترقب باهتمام التبدلات التركية، تبدي التقدير للاشارات الودية في اتجاهها، ولكنه تقدير محفوف بالحذر والتشديد على إقران القول بالفعل ، خاصة في مجالين: وقف التدخل في ليبيا، ووقف كل أشكال الدعم للاخوان المسلمين.
ما زالت تركيا في حيرة وتناقض والتباس في علاقاتها مع أميركا وأوروبا ومصر، وهذا الضياع ينعكس على دول اخرى .حالة مستمرة بانتظار أن تحسم أنقرة خياراتها.
سركيس ابوزيد ـ العهد
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً