الثبات - إسلاميات
سلسلة نداء الله للذين آمنوا
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
في هذه الآية المباركة يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالصيام، حيث كانت هذه الآية دليلاً على وجوب صيام شهر رمضان المبارك، إذ كان الصيام قبل نزول هذا الأمر محصوراً ببعض الأيام التي خصصها النبيّ صلى الله عليه وسلم بصومه، كيوم عاشوراء وغيره، وفي هذه الآية إشارة إلى أنَّ الصيام كان مفروضاً على الأمم السابقة، لكن بكيفية وزمن مختلفين عن صيام أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاختصَّ الله تعالى أمة الإسلام بشهود شهر رمضان ليكون ميدان خيرٍ وطاعةٍ واجتهادٍ في العمل الصالح.
والصيام في حقيقته اللغوية هو الإمساك والامتناع، وأمَّا في الشرع فهو الإمساك المخصوص عن شيئٍ مخصوصٍ في وقتٍ مخصوص، ويراد بذلك الإمساك عن الطعام والشراب والمفطرات في أيام شهر رمضان المبارك من الفجر إلى غروب الشمس.
وللصيام فوائد روحيّةٌ وصحّيّة، فالروحية، تخفيف شهوة الطعام والشراب عند الصائم وبالتالي إضعاف باقي الشهوات، لأنَّ الشرايين تضيق عند الإمتناع عن الطعام والشراب، فتضيق منافذ الشيطان، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم"، فتخف واردات المعصية عند الإنسان، وينكب على طاعة الله تعالى مبتعداً عن خواطر الشيطان، كذلك، يذكّر الصيام المؤمنين بإخوانهم الفقراء والمحتاجين، فعندما يجوع الإنسان، وتظمأ كبده، يشعر بما يشعره المساكين طيلة أيامهم من ألم الجوع والعطش، فتجود نفسه بفعل الخير وتقديم المعروف إليهم.
أما الصحّيّة، فيساعد الصيام على تخليص الجسم من الدهون المتراكمة في داخله، كما يساهم في الحفاظ على صحة وعمل الكليتين، ومثله الحفاظ على صحة القلب نتيجة قلة الطعام التي تدخل الجسم طيلة فترة الصيام.
ومن لطائف معاني الصيام، أنَّه لا يختص بالإمساك عن المفطرات الحسية فقط، بل إنَّ جميع الجوارح والأعضاء لها صومها الخاص بها، فالعين تصوم عن استراق النظر المحرم وعن التجسس ومراقبة الناس لإرادة الشر لهم، واللسان يصوم عن الغيبة والنميمة والزور والبهتان والكذب والوقوع في أعراض الناس، كذلك اليد تصوم عن البطش والإعتداء، ومثلها الرِّجل تصوم عن المشي في طريق المعاصي والسيئات، والبطن يصوم عن أكل الحرام، فإذا حقق الصائم هذه المعاني كان صيامه مقبولاً متقناً يرضي الله تبارك وتعالى.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.