الثبات - إسلاميات
سلسلة من وحي القرآن الكريم
من وحي سورة البقرة
"الطلاق مرتان"
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول الله تعالى في سورة البقرة:
{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
شرع الله تعالى الزواج ليكوّن مجتمعاً صغيراً صالحاً، عنه ينشأ وإليه يرجع المجتمع، فالتكافؤ بين الزوجين ومعرفة كل واحد منهما ما له وما عليه، وأداؤه إلى صاحبه ما عليه قبل أن يطالبه بما له، ينمّي المودة بينهما ويقوّي رباط الزوجية، ويشد على يده مجيء الأولاد الذين هم الامتداد الطبيعي للزوجية والثمرة له، ولأنَّ الحياة الدنيا حفت بالمكاره والمنغصات الكثيرة، قد تدفع إلى الغضب المؤدي إلى التقصير في بعض الواجبات والمبالغة في طلب الحقوق، فينشأ عن ذلك خلاف يقويه ويغذيه ويسهر على إيقاده نار الأهل، أهل الزوجين والجيران وبعض المفسدين.
ولما كان الأصل في عصمة النكاح أن تكون بيد الرجل إذ كانت له القوامة، جاز له أن يحلّ رباط الزوجية بالطلاق وينهي هذه الرابطة المقدسة، فذكرت الآية أولاً أنَّ الطلاق الذي يملكه الرجل على زوجته ثلاث تطليقات تحرم بعدها المرأة على الرجل حتى يتزوجها آخر زواجاً حقيقياً، فإن حصل بينها وبين الثاني خلاف فطلقها، وتوافقت مع الأول على العودة إليه برضاه ورغبتها فيباح لهما أن يتراجعا، فيصلان ما انقطع ويجمعان ما تفرق.
إنَّ لله تعالى حدوداً يجيب الالتزام بها، ولا تجوز مخالفتها، لأنَّ من يتعد حدود الله يعرّض نفسه للمساءلة، ويظلمها بتعريضها لعذاب الله الواحد القهار، وقد ذكر النص القرءاني الطلقتين وحرم على الزوج أخذ شيء مما أعطاها من مهر أو هدية أو غير ذلك، إلا إن خافت المرأة العجز عن القيام بحق زوجها، فأباح لها أن تفتدي من زوجها ليخلعها من ذمته وعصمة نكاحه، مع إبرائه من كافة الحقوق المترتبة عليه والواجبة لها.
كما حرّم الشرع على الزوج أن يلحق بمطلقته الضرر في إمساكها {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا}، كما حرم على الزوجين الاستهزاء بالشرع والتلاعب في أحكامه، فيتبين أن اللإسلام أنصف المرأة وأعطاها الحقوق التي سلبها منها الجاهليون، فلم يجبرها على الزواج ممن لا تريد البقاء معه، وأعطاها المهر وسمح لها بالتصرف فيه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.