الثبات - إسلاميات
سلسلة نداء الله للذين آمنوا
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يخاطب الله تبارك وتعالى أهل الإيمان بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾
وفي هذا الخطاب نداء للمؤمنين للدخول في السّلم كافة، وعدم اتباع خطوات الشيطان، والمقصود بالسّلم كما عليه أغلب المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم، هو الإسلام، بجميع جوانبه وتكاليفه، وأصوله وفروعه، قال ابن عباس رضِي الله عنهما: يأمر الله سبحانه الذين آمَنوا أنْ يدخلوا في الإسلام في جميع شرائعه، وعن مجاهدٍ وقتادة رحمهما الله تعالى: أدخلوا في السلم، أي في الإسلام.
وقوله تعالى: (كافّةً)، أي التزموا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه، واعملوا بجميع أوامره، وهذا الذي كان عليه الجيل الأول من المسلمين، حيث كانوا لا يفرّقون بين أمر وأمر، ولا يميزون بين حكمٍ وحكمٍ، بل طبقوا الإسلام بحذافيره، وكانت هممهم نحو تطبيق الفروع متساويةً مع هممهم في تطبيق الأصول، لأنَّ الإسلام كلٌّ لا يتجزَّأ، ومن اقتصر على الأخْذ بجزء واحد منه وأهمل الأجزاء الأخرى فقد ضلَّ ضلالاً بعيدًا ووقَع في الفتنة، ولذلك قاتل أبو بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه مانعي الزكاة وقال كلمته المشهورة: والله لأقاتلنَّ مَن يُفرِّق بين الصلاة والزكاة.
ومن هذا المنطلق، يجب على المسلم الإيمان بكافة النصوص الشرعية التي نقلت إلينا عن طريق التواتر، سواء أكانت من القرءان أم من السنة، فنصّ القرءان وصحيح السنة كلاهما شرعٌ ودين، وقد عاب الله تعالى في كتابه على بني إسرائيل فقال: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ .
إن الإسلام عقيدةٌ في القلب، ترسّخ الإيمان، وتتغلغل آثارها في روح الإنسان لتثمر أفعالاً جوارحيّةً تحدد علاقة الإنسان مع ربه، فالطاعة دليلٌ على سلامة الإسلام والإيمان، كما أنّ المعصية دليلٌ على فسادٍ في الإسلام وفي الإيمان.
ومن المؤسف أن نرى كثيراً من المسلمين اليوم، يعتبىرون الإسلام وأركانه قائمةً انتقائية، يختارون منها ما يتوافق مع رغباتهم، ويتركون منها ما يعتبرونه ثقيلاً على أنفسهم، كالذي يصوم ولا يصلي، أو العكس، أو كالذي يصلي ولا يزكي مع قدرته على ذلك، أو مثل التي تطبق أركان الإسلام لكنها ترى في الحجاب تخلّفاً ورجعيةً فلا تلتزم بهذا الأمر الإلهي، فمن سلك هذا المسلك، أوقع نفسه في وحول نقض عرى الإسلام في نفسه، وعرّض نفسه للفتن، لأن الإلترام الكامل بشرائع الإسلام جمعاء، هو الحصن والوقاية من الزلل، وإن الدافع الوحيد لمن يفرق بين أحكامٍ وأحرى، هو اتباعه لهواه ولخطوات الشيطان الآمر بالسوء، ولذلك عطف الله تعالى على الأمر بالدخول في السلم كافة، الأمرَ بعدم اتباع خطوات الشيطان، فيتبين لنا من ذلك العطف أن اتباع الهوى والشيطان هو الدافع الوحيد للذين يطبقون جزءاً من الشريعة ويَدَعون أجزاءً أخرى.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.