الثبات - إسلاميات
سلسلة نداء الله للذين آمنوا
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول الله تعالى منادياً على أهل الإيمان: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ الأنفال 24.
وفي هذا النداء أمرٌ من الله تعالى بالاستجابة المطلقة والسريعة لما دعا إليه ربنا تبارك وتعالى وأمر به عباده، وكذلك لما أمر به النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فعلى قدر السرعة في الاستجابة يكون الإيمان، فالعبد عبدٌ، يستجيب لسيده، وينفذ ما أمره به، وينتهي عما نهاه عنه، ولا يتوانى أو يتردد في الطاعة فليس له خيارٌ، ولله المثل الأعلى، أمَرَ ونَهى، وحثَّ ومنع، ونصيب العبد من ذلك أن يستسلم لما أراده الله تعالى، كما قال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.
ومن روعة النظم القرآني، أن الله تعالى جعل الاستجابة له ولرسوله حياةً للقلوب وحياةً للإيمان حيث قال سبحانه: (إذا دعاكم لما يحييكم)، وفي ذلك إشارةٌ إلى أنّ أوامر الله ورسوله حياةٌ للإنسان، تحيي قلبه وعقله ويقينه وروحه، وتنقله من حياته التقليدية التي عهدها إلى حياةٍ يجد فيها السعادة والهناء في الدنيا والآخرة.
ولقد تميز جيل الصحابة رضي الله عنهم بسرعة استجابتهم لما أمرهم به الله والرسول، وبذلك استحقوا النصر والمعية من الله تبارك وتعالى، يروي لنا الصحابي الجليل أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْه فيقول: " كُنْتُ قَائِمًا عَلَى الْحَيِّ أَسْقِيهِمْ عُمُومَتِي وَأَنَا أَصْغَرُهُمُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ ُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي فَقَالَ اخْرُجْ فَانْظُرْ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، قال ابو طلحة : أَهْرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ يَا أَنَسُ فَهَرَقْتُهَا، فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا، وَلَا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ، قال فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ"، وهكذا تظهر سرعة استجابة الصحابة لترك الخمر الذي ألفوه في الجاهلية قبل نزول الأمر بتحريمه، حيث لم يترددوا ولم يتقاعسوا في التوقف عما نهاهم الله عنه.
حادثةٌ أخرى تبين لدى مدى سرعة استجابة الصحابة، روى النسائي في السنن الكبرى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب، وكان يجعل فصه في باطن كفه، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فطرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطرح الناس خواتيمهم، واتخذ خاتما من فضة، فكان يختم به، ولا يلبسه.
وهذا هو الغلام اليهودي، يموت على الإيمان لاستجابته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر لحظات حياته، فيموت على الإيمان ويستحق جنة الرحمن، فعن أنس رضي الله عنه، قال: (كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرِض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يَعُودُه، فقَعَدَ عند رأسه، فقال له: أَسْلِم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أَطِعْ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأَسْلَمَ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار).
فإذا أراد الإنسان معرفة نسبة إيمانه، فلينظر إلى سرعة استجابته لله تعالى في أداء الواجبات، فمتى كانت استجابته أسرع، كان إيمانه أرقى.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.