الثبات - إسلاميات
آداب العمل والمعاش في الإسلام (1/2)
الإسلام دين العمل، ولكنه العمل الصالح النافع، وإيمان بدون عمل تمنّ وادعاء، وعمل بدون إيمان فسوق وعصيان، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً}. والرجولة في الإسلام، وكمال النضج فيه، أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحا، وإلى أبواب الرزق ساعياً، ولكن قلبه معلق بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره، قال تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.
وهو بذلك يضع حداً لمن يتخشعون أمام الناس في المساجد ركعاً سجداً وقياماً، فإذا عاملتهم بالأموال أو التجارات تبين أنهم أفاع سامة، أو عقارب مؤذية، عن جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله". رواه البخاري.
وإن نظام هذه الحياة، يتطلب السعي والعمل، وحركة الأعمال فيها تتوقف على الجد والاجتهاد ولذلك كان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل مستشعراً بشعار الجد والنشاط، طارحاً القعود والكسل وراءه ظهرياً، حتى يقوم بما فرضته عليه الطبيعة وهي سنة الله في خلقه، ويعمل بما أوحته إليه القوانين الشرعية، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كلا على غيره، وهو لا يعلم أن الرزق منوط بالسعي، وأنَّ مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد حتى يقوم كل واحد بعمل خاص له، وهناك تتبادل المنافع، وتدور رحى الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل، قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
والعمل على أنواع كثيرة فمنها ما له علاقة بالدين ومنها ما له علاقة بالدنيا فما له علاقة بالدين فهو العبادات وغيرها من الأعمال الصالحة المختلفة، وما له علاقة بالدنيا من معاملة وبيع وشراء وتكسب وتجارة أو أي حرفة كانت فهو وإن كان بابا للرزق والسعي للتكسب والعيش والحصول على المال من أجل القيام بحاجات الإنسان الضرورية في حياته. فهو مع كل ذلك اعتبره الإسلام عملا مرتبطا بالدين بل حثّ الدين على العمل وجعل له الثواب العظيم، قال تعالى: {وجعلنا النهار معاشاً}، وقال أيضاً سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده" رواه البخاري.
قال ابن عباس رضى الله عنه: "كان آدم عليه السلام حراثاً، ونوح نجاراً، وإدريس خياطاً، وإبراهيم ولوط زراعين، وصالح تاجراً، وداود زراداً، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله تعالى عليهم رعاة".
وأما الآثار فروي أن لقمان الحكيم قال لابنه: يا بني استعن بالكسب الحلال فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته وأعظم من هذه الخصال استخفاف الناس به.
وقيل لأحمد بن حنبل: ما تقول في رجل جلس في بيته أو مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني روقي، فقال أحمد: هذا رجل جهم العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل رزقي تحت ظل روحي وقال حين ذكر الطير: تغدو خماصاً وتروح بطاناً وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخلهم، والقدوة بهم مطلوبة.
وإليكم بعض آداب هذا الموضوع:
1- حسن النية في التجارة، فلينو بها الاستعفاف عن السؤال وكف الطمع عن الناس، والقيام بكفاية العيال ليكون بذلك من جملة المجاهدين ولينو النصح للمسلمين، عن أنس رضى الله عنه قال: "مرّ بالنبي صلى الله عليه وسل مرجل، فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا ـ يعنون النشاط والقوة ـ في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان" رواه الطبراني والبيهقي.
2- أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، وسوق الآخرة المساجد فينبغي أن يجعل أول النهار الى وقت دخول السوق لآخرته، فيواظب على الأوراد والأذكار والصلوات، فقد كان صالحوا السلف من التجار يجعلون أول النهار وآخره للآخرة ووسطه للتجارة، وإذا سمع أذان الظهر والعصر فينبغي أن يترك المعاش اشتغالاً بأداء الفرائض، قال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}.
3- أن يلازم ذكر الله تعالى في السوق ويشتغل بالتسبيح والتهليل وأن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة، فلا يكون أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منه.
4- أن يطلب الحلال ويجتنب الحرام ويتوقى مواقع الشبه ومواضع الريب، وطلب الحلال فرض على كل مسلم، عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات" رواه البخاري ومسلم، قال الله تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً}، عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" رواه مسلم.
5- البعد عن الاحتكار فهو حرام، عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من احتكر الطعام أربعين يوماً فقد بريء من الله والله بريء منه" رواه أحمد والحاكم، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ". رواه مسلم.
وخاطئ أي آثم، والاحتكار هو أن يخفي التاجر ما يحتاج الناس إليه حاجة ضرورية ليتحكم بالسعر في الوقت المناسب كالمواد التموينية بشكل عام.
6- البعد عن البيع عن طريق الغش لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه مر برجل يبيع طعاماً حبوبا فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، قال: أصابته السماء أي المطر فقال عليه الصلاة والسلام: فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا ليس منا" رواه مسلم.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا بيّن ما فيه، ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بيّنه" رواه الحاكم والبيهقي، والغش هو إظهار الشيء على خلاف حقيقته دون علم المشتري به.
7- تجنب حلف الإيمان لترويج البضاعة، عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب" متفق عليه، وعن أبي قتادة رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق" رواه مسلم.
ثم والذي يحلف وهو متيقن الكذب يكون حالفاً بيمين الغموس، واليمين الغموس: هو من الكبائر وسمي غموسا لأنه يغمس صاحبه في النار وليس له كفارة سوى التوبة الصادقة النصوح.