الميثاقية والصيغة والطائف .. وآلهة تمر السياسيين 2 / 3 ـ أحمد زين الدين

الخميس 17 كانون الأول , 2020 12:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

العلاقة المميزة مع سورية أساس في قيامة لبنان
ماذا بقي من لبنان الميثاق الوطني ... والطائف؟!
هناك سؤال ملح هو ماذا بقي من لبنان "الميثاق الوطني" وماذا بقي من الطائف وأي نظام تعيش فيه الدولة ويعيش فيه المواطنون؟
ثمة قاعدة فلسفية تقول: "العلة تبقي المعلول" فالعلة، كانت دائماً تكبر في لبنان وتصير عللاً تعصى على أي حل.
هكذا الحال منذ أن كان لبنان صغيراً على مستوى مقاطعة أو ولاية أو قائم مقاميتين (1840) أو متصرفية (1864 - 1914)، حيث كان القناصل وممثلو الباب العالي، يقررون مصير البلاد والعباد، وكان الوجهاء والساسة وأصحاب المكانة يتسابقون لتقديم ولاء الطاعة، لكل سيد يحل، ولو جاء من خلف البحار والمحيطات، ثم في زمن لبنان الكبير الذي أعلنه الجنرال غورو في أيلول عام 1920 ومع الأسف كنا ومازلنا، كلما تقدمنا نصبح أكثر طائفية، أي "العلة" تكبر وتصير في أحيان كثيرة، عللاً وأوراماً خبيثة كما هو الحال بعد "الطائف".
في زمن الانتداب رأينا رؤساء للجمهورية غير موارنة، كحال أول رئيس للجمهورية شارل دباس الأرثوذكسي (1926 - 1932) وأيوب ثابت البروتستانتي (19 آذار - 21 تموز 1943)، وبترو طراط الأرثوذكسي (22 تموز - 30 أيلول 1943).
وفي زمن الاستقلال فاز حبيب أبي شهلا (الأرثوذكسي) عام 1946 برئاسة مجلس النواب على الرئيس صبري حمادة (الشيعي)، وآنئذ قدم حمادة أول مشروع قانون لإلغاء الطائفية السياسية، بصفة معجل مكرر، وعرض المشروع على الهيئة العامة للمجلس النيابي، لكن المفارقة أن معظم السياسيين الذين كانوا يلعنون صبحاً وعشيةً الطائفية والمذهبية والإقليمية، كانوا من المعارضين للمشروع، واخترعوا قضية النفوس والنصوص، أي (إلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص).
في زمن الانتداب الفرنسي، شهد اللبنانيون رؤساء حكومات من غير المسلمين السنة، فكان أول رئيس حكومة عام 1921 أوغست أديب (الماروني) وهو (بالمناسبة خال الرئيس كميل شمعون)، بشارة الخوري، حبيب باشا السعد، إميل إده (موارنة)، شارل دباس (أرثوذكسي)، عبد الله بيهم، خير الدين الأحدب، خالد شهاب، عبد الله اليافي، أحمد الداعوق، وسامي الصلح (سنة).
أما المجالس النيابية فرأسها في زمن الانتداب الفرنسي كل من: داود عمون، حبيب السعد، نعوم لبكي، إميل إده، موسى نمور (موارنة)، شارل دباس (أرثوذكسي)، محمد الجسر وخالد شهاب (سنة).
أما في زمن الاستقلال، فقد شغل قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب (ماروني) عام 1952 رئاسة حكومة انتقالية، كما انتخب حبيب إبي شهلا لرئاسة المجلس النيابي كما أسلفنا.
وفي ظل الميثاق الوطني، الذي أقام دولة بالاتفاق، لكنه لم ينه مشاريع الطوائف فكانت الطائفية حائلاً دون اعطاء الهوية الفردية لمواطن منفتح على الآخر.
صيغة النظام السياسي اللبناني كانت تارة محل قبول، وطوراً محل رفض وفقاً لتوافق الصيغة أو النظام مع مصلحة هذا الفريق او ذاك، حيث يهدف كل طرف تحديد ملائمتها مع النصوص الدستورية والمبادئ العامة والمصالح الخاصة وحتى الشخصية.
وقد تكشفت مدى متانة أو هشاشة هذه الصيغة وهذا النظام في مواجهة الأزمات السياسية التي واجهت لبنان شعباً ومؤسسات ودولة، علماً أن الأزمات قد تعترض أي شعب وأي نظام وأي دولة، وقد يترتب عليها تغيير في اللعبة السياسية التي قد يرافقها صراعات وكباش سياسي، وخصوصاً إذا لم تتوافر نخبة في المجتمع ترصد المتغيرات ومقتضيات التطور لتقديم الحلول والطروحات التي ترافق متطلبات العصر وتطور الحياة، لكن مع الأسف الشديد، فإن العديد من هذه النخب في المجتمع اللبناني، كانت تتحول إلى أبواب للسياسيين، وتنقل البارودة من كتف إلى كتف.
حتى في مسألة العلاقة مع سورية التي لحظها الميثاق الوطني غير المكتوب، وميثاق الطائف جاء عليها بالنص وبشكل واضح، فكان أن جعلتها الطبقة السياسية كإله التمر يأكلونه حينما يجوعون.
وعودة إلى البداية، فإن مؤتمراً وطنياً عقد في بكركي عام 1941، برئاسة البطريرك عريضة جاء من ضمن بنوده كما قال عريضة: "نريد الإئتلاف مع المجاورين لنا في الشرق، ومع كل الذين لنا علاقة معهم، ولاسيما مع دول فرنسا وانكلترا وأميركا".
فهل من دولة غير سورية مجاورة لنا في الشرق، علماً أنه في العام 1941 كان هناك دولتان مجاورتان هما سورية وفلسطين (قبل اغتصابها من قبل الصهاينة 1948)، كما عكس بيان الحكومة الاستقلالي الأول هذه العلاقة، بأن "لبنان لن يكون مقراً ولا ممراً للاستعمار ضد شقيقاته العربية".
وفي وثيقة الطائف جاء بالنص الحرفي في باب العلاقات اللبنانية - السورية: "إن لبنان، الذي هو عربي الانتماء والهوية، تربطه علاقات أخوية صادقة بجميع الدول العربية، وتقوم بينه وبين سورية علاقات مميزة تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة، وهو مفهوم يرتكز عليه التنسيق والتعاون بين البلدين وسوف تجسده اتفاقات بينهما، وفي شتى المجالات، بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة واستقلال كل منهما، استناداًإلى ذلك، ولأن تثبيت قواعد الأمن يوفر المناخ المطلوب لتنمية هذه الروابط المتميزة، فإنه يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية وسورية لأمن لبنان في حال من الأحوال، وعليه فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سورية، وإن سورية الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته"، فهل أن ما يقوم به فلول 14 آذار، والمنقلبين على العلاقة مع سورية، واتباع الخليج المطبع ينقذون وثيقة الطائف؟! سؤال لا ينتظر جواب.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل