أقلام الثبات
في الوقت الذي يخوض فيه الإعلام "الإسرائيلي" مفاوضات موازية عبر إعلامه ووسائل التواصل لديه، فيها التهديد للبنان، وفيها السقف العالي لإخافة المفاوض اللبناني، لم تتوقف المزايدات الشعبوية منذ تشكيل الوفد اللبناني الى المفاوضات غير المباشرة مع "اسرائيل" لترسيم الحدود البحرية للبنان، والتي تحصل في الناقورة برعاية الأمم المتحدة. مع العلم أن الوفد اللبناني ورئيسه يخوض معركة صعبة، خصوصاً في ظل الاستياء "الإسرائيلي" (وضمناً الأميركي) من الخرائط الواضحة والدقيقة والعلمية التي طرحها لبنان والتي تعطيه أكثر بكثير مما كان اتفاق "الاطار" قد حدده.
ولقد بلغ الاستياء الاسرائيلي درجة كبيرة وبشكل واضح، بحيث أطلق الاعلام "الاسرائيلي" على الخريطة التي تقدم بها لبنان للمفاوضات، وصف "الخريطة الاستفزازية"، واعتبر أنها لن تكون مادة للتفاوض وأنها قد تفجّر المفاوضات برمتها، وأصدرت وزارة الطاقة "الاسرائيلية"، بيانًا اعتبرت فيه أن "جميع حقول الغاز التي هي قيد التطوير قبالة سواحل "إسرائيل"، ليست محلاً للخلاف مع لبنان، وهي لن تكون بشكل مطلق على طاولة المفاوضات.
الأكيد، أن الضغوط السياسية على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سوف تشتد، خصوصاً بعدما تبين أن التوجيهات التي أعطاها للمفاوض اللبناني والدعم الذي قدمه له، سيجعله يصرّ على الخرائط الجديدة التي يعرضها الجيش اللبناني والتي تعطي لبنان الحق في التفاوض على أكثر بكثير من مساحة 860 كم التي حددها "إتفاق الإطار" والتي يريد الأميركي و"الإسرائيلي" - بالأساس- قضم ما يوازي نصفها تقريباً.
لذا، نتوقع أن يستعيض "الاسرائيلي" عن ضعف موقفه القانوني والحقوقي، باستخدام الضغوط الأميركية والأممية على لبنان لمحاولة ثني لبنان عن المطالبة بالحقوق القصوى التي يحق له الحصول عليها، والتي يستند إليها لبنان إنطلاقاً مما يلي:
أولاً- يصرّ الوفد اللبناني على الركون الى خرائط ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة والثابتة في كل المحافل الدولية، وهي اتفاقية بوليه - نيوكمب 1923 والتي ثبتت في اتفاقية الهدنة 1949، لذا لا يحتاج لبنان الى ترسيم حدوده البرية بل أن يتم تحديدها فقط، وإزالة الاعتداء الاسرائيلي عليها وإعادة النقاط الى أماكنها بعدما تلاعب بها الاسرائيلي وأزاحها.
كما أن اعتماد المفاوض اللبناني على مرجعية القرار 425، يؤكد أن على "الاسرائيلي" الانسحاب من المناطق التي يعتدي عليها ويحتلها برياً من دون أي قيد أو شرط، وإن لبنان لا يحتاج لتفاوض على الحدود الدولية البرية من اجل إزالة الاعتداء الإسرائيلي عنها.
ثانياً- ينطلق لبنان في ترسيم الحدود البحرية من القانون الدولي للبحار عام 1982، والذي يؤكد أن الصخور البحرية غير المأهولة وغير القابلة للسكن لا يحتسب لها أي نطاق بحري اقليمي. ولقد أبرز المفاوض اللبناني خرائط وصوراً جوية ووثائق تؤكد أن صخرة "تخليت" - التي يحاول الاسرائيلي الادعاء بأنها جزيرة وقام بوضع برج عليها للتمويه- هي مجرد صخرة لا تنطبق عليها مواصفات الجزيرة.
وعليه، وبحسب ما ينطلق منه الوفد اللبناني، يحق للبنان مساحة 1700 كلم إضافية وليس فقط 860 كلم، وهذا سيرتب على اللبنانيين الاستعداد لما سيأتي ومن أهمه:
- ضغط سياسي واقتصادي أميركي للتنازل.
- تهويل "إسرائيلي" بالانسحاب من المفاوضات وتحميل لبنان تبعات ذلك، وقد يتنطح نتنياهو وصقور اليمين للتهديد العسكري.
- ضغوط سياسية واقتصادية وإعلامية داخلية للتهويل على رئيس الجمهورية للتراجع، والتي ستتخذ عناوين عدّة للتعمية على الهدف الأساسي (اتهامات بالفساد، اتهامات بالعرقلة، دعوات للاستقالة الخ...)
ولكن، لبنان لا يمكن أن يتنازل عن أي شبر من أرضه وحدوده البحرية ولا البرية، كما أن رئيس الجمهورية، الذي قال يوماً "يستطيع العالم أن يسحقني ولن يأخذ توقيعي"، لن يرضخ لأي تهديدات وضغوط خارجية، ولن تثنيه الحملات الداخلية المشبوهة والمدفوعة الثمن التي ستشنّ عليه داخلياً بالتزامن مع الضغوط الخارجية للتنازل عن الحقوق اللبنانية.