أقلام الثبات
مع المؤشرات المتعاظمة، بأن العولمة قطعت شوطا على طريق الاحتضار،جراء الازمة العالمية التي اسست لها السياسات الاميركية المستكبرة ، يتضح في الافق ان الاستعمار الذي لم يغب بكل وجوهه القديمة يعود ليحل محلها، مع إدخال عامل جديد هو الارهاب، ولا سيما في الشرق ضمن الموجة الثانية من تشويه الاسلام، بعد ان شارفت الموجة الاولى على الفشل الذريع ، والتي تمثلت بتنظيم القاعدة ومتفرعاته أكان داعش، أو "النصرة" وغيرهما من اسماء غب الطلب لتسهيل المشروع بمضامينه الاميركية .
الولايات المتحدة وأوروبا، اللتان أطلقتا ما سمي "اقتصاد السوق" ، الذي كان من المفترض أن يقود العالم كله إلى سوق واحدة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ،وقادتا عموما عملية العولمة في اتجاهات مختلفة، لم يتخيلا امكانية خسارة مركز القيادة الاوحد في هذه العملية في مجرى المنافسة الحقيقية.اي بالمعنى السياسي ، تشديد السيطرة في استعمار العالم سياسيا عن طريق الاقتصاد السوقي .
ان الادارة الاميركية التي سيطر عليها الغرور جراء قوتها العسكرية وقدرتها على تشكيل جيوش الارهابيين ، وبتمويل من الدول الثرية نفطيا ، مثل الدول الخليجية، لم تعد ترى في اوروبا - شريكتها في السوق - بل منافسا غير مرغوب فيه ، او في الحجم الذي تحدده الكارتيلات الاميركية ، واكثر ما تجلى ذلك مع وصول دونالد ترامب الى سدة الرئاسة ، والذي يقاتل اليوم بكل ما اؤتي للاستمرار في ولاية ثانية ،رغم ان العزلة الاميركية الدولية،باتت واضحة ، ولربما الصفعة الكبيرة التي تلقتها واشنطن في مجلس الامن والامم المتحدة بسقوط طلبها ضد ايران ، وهو ما رجحته اوروبا المقهورة من واشنطن خير دليل على العزلة الاميركية، او على الاقل الانتفاض بوجه اميركا .
ان مشكلة الولايات المتحدة في السيطرة ليست مقصورة على حلفائها ، او اتباعها الاوروبيين ، فالصين كقوة اقتصادية هائلة ، ترتعد فرائص اميركا منها ،وايضا العقول الاميركية من ادائها ، سيما ان بكين بدات تبني لنفسها قوة عسكرية مرعبة لتحمي طرق اقتصادها برا وبحرا ، كما ان ايران السوق المتعاظم اثبت قدرته على التخلي عن المنتج الاميركي بكل درجاته العلمية، كما ان روسيا العدو التاريخي للولايات المتحدة اعادت فرض نفسها في المعادلة الدولية الكبرى مع استعادة حلفائها التاريخيين في نقاط مختلفة من العالم،فيما يبحث الاتحاد الأوروبي عما يمكن ان يفعله بعد ذلك، لأن عملية التوحد في فضاء واحد لم تتباطأ فحسب، بل بدأت في الانهيار مع الافلاسات والصعوبات الاقتصادية في دول اوروبية .
ان الازمة التي طوقت الولايات المتحدة نفسها فيها كالشرنقة ، لم تجد ادارتها ارضا خصبة لبذر حبوب الكراهية ،اكثر من الدول الخليجية ،علها تكون المسرب من الازمة ، وتأكيدا على روحية الاستعمار بقبول غير مسبوق من الطرف الواقع عليه الاستعمار من خلال، -وبالامر- ربط تلك الدول بكيان العدو الصهيوني عبر اتفاقات خيانية للامة والدين ، وضمن خطة تشويه الدين الحنيف ، وليس ما قاله إمام وخطيب الحرم المكي عبد الرحمن السديس،الا من قبل التمهيد لـ"تطبيع" العلاقات مع "إسرائيل"، في ظل سعي الإدارة الأميركية إلى إقناع عدة دول لاتخاذ خطوة مماثلة لتلك التي اتخذتها الإمارات.وهو قال في خطبته: "وقد توضأ صلى الله عليه وسلم من مزادة مشركة ومات ودرعه مرهونة عند يهودي وعامل يهود خيبر على الشطر مما يخرج من زروعهم وثمارهم وأحسن إلى جاره اليهودي مما كان سببا في إسلامه".
ان ما ساقه السديس ، تتماهى مع التبريرات بدعم "دولة داعش" مع انطلاقتها من جانب ائمة الارتزاق والصدى للحكم السعودي في الموجة الاولى من تشويه الاسلام ،عبر تشريع القتل والذبح والترويع والحرق والنسف ، وكان واضحا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بقوله إن الإمارات "أول دولة عربية تعترف بحق (إسرائيل) بالوجود كوطن لليهود"،وإن الإمارات وإسرائيل تنظران إلى إيران على أنها خطر كبير : "لقد توصلتا لاتفاق لبناء علاقة يمكن من خلالها تشكيل تحالف للتأكد بألا يصل الخطر إلى الأراضي الأميركية أو يؤذي أحدا في الشرق الأوسط".
إذاً ان الهدف المركزي هو حماية الولايات المتحدة - وحكما اسرائيل - اللتان تضعضعتا ، وترنحت مخططاتهما الاستعمارية في المنطقة والعالم ، مضافا الى ذلك المعاناة الداخلية لكل منهما ، ففي الكيان مظاهرات للشهر الثالث ضد الفساد وعدم القدرة على معالجة الازمات ، وفي الولايات المتحدة اكثر من مجرد حالات تمرد ، يمكن ان يبنى عليها.
في ظل الأزمة العالمية، يصبح كل شيء ممكناً. بما في ذلك "ثورة ملونة" في الولايات المتحدة. فمن الواضح أن هناك مواجهة متنامية بين الترامبيين (القوميين والصناعيين الحمائيين) والممولين والعولميين الذين يعتمدون على اليسار المتمرد . ويرى خبراء ، منذ الآن، كيف يخرج الليبراليون في أعقاب الانتخابات الرئاسية بعد شهرين إلى "الميدان" إذا ما فاز ترامب، معلنين عدم الاعتراف بذلك؛ أو العكس، خروج أنصار ترامب، غاضبين جدا من انتصار جو بايدن، ولا يستبعد كثيرون ان تواجه الأخيرة احتمالا حقيقيا لاندلاع حرب أهلية فور الانتهاء من انتخابات الرئاسة الأميركية .فالولايات المتحدة الأميركية تنزلق شيئا فشيئا نحو المواجهة مع الصين، والتي يمكن أن تتحول إلى مواجهة عسكرية في مرحلة ما. العلاقات مع روسيا في أدنى مستوياتها فعليا، وإنجلترا هي العنصر الأكثر تطرفا في الجبهة المعادية لروسيا.أما أوروبا، بكل إمكانياتها الاقتصادية الهائلة، فهي مشلولة، ولا تريد الانجرار إلى الحرب التي يشنها الأنغلوساكسون حفاظا على الهيمنة الأميركية.وفي الشرق غليان ، وتبقى القضية الاساس مكافحة الارهاب بشقيه - الارهاب الاسرائيلي ، والارهاب الممول خليجيا وله ادوات في ساحات كثيرة .ما يفرض على اعداء الارهاب والمنخرطين في المواجهة فرادى، ان يجدوا لانفسهم بوتقة تجمعهم للمواجهة الشاملة .