خاص الثبات
في خضم كل عدوان جديد، تطفو على السطح ذات الأصوات، وذات النغمة التي باتت مكرورة حد الابتذال: أصوات تبرر القصف، وتسوّغ الاغتيال، بل وتزايد على آلة الحرب الإسرائيلية نفسها في تحريضها واستهدافها.
هؤلاء الذين يلوذون بخطاب "الردع" و"الضربات الاستباقية"، لا يبدو أنهم يكتفون بتبرير العدوان، بل يتقمص بعضهم دوراً افتراضياً في سرب طائرات العدو الصهيوني، يخطط ويقصف ويحدد الأهداف وكأنّه جنرال عسكري لا مواطن عربي.
يريدون لإسرائيل أن ترد على "كف اليونيفل" – على موقف، على احتجاج، على رمزية وطنية – بالقصف والتدمير. يطالبونها بعمليات تصفية جسدية، ويطالبون بحماية أممية وكأنهم أوصياء على العدالة، أو أن أرواح الأبرياء في منطقتنا لا تعنيهم ما دامت تخدم روايتهم المعلّبة.
والأسوأ أن بعضهم يرى في كل اغتيال أو قصف "رسالة ضرورية"، متناسياً أن الرسالة الأهم هي كرامة شعوبهم التي يستهينون بها.
هؤلاء لا يدافعون عن أمن منطقتهم، ولا يخوضون معركة وعي. إنهم ببساطة أدوات في مشروع أكبر، عنوانه التطبيع الممنهج، ومضمونه تبييض صفحة احتلال ما زال يواصل جرائمه يوماً بعد آخر. وما يفوتهم – أو يتغافلون عنه عمداً – أن الضربات الإسرائيلية ليست رداً على "إهانة" صغيرة، بل امتداد لصراع طويل، لتاريخ من التصفيات والهيمنة.
إسرائيل لا تنتقم لهؤلاء، ولا تقيم وزناً لأصواتهم مهما علت، بل تستخدمهم كغطاء لسياسات قديمة، وحسابات أبعد من كل شعاراتهم.
لذا، حين يطلّ علينا أحدهم متقمصاً دور المحلل الاستراتيجي، داعياً للضرب والقصف وتبرير الدم، نقول له: الا تخجل؟! فالصمت أحياناً أكرم من مشاركة العدوان برأي أو تغريدة.