أقلام الثبات
لا يخفى على أحد صداع واشنطن المزمن بسبب تنامي نفوذ الصين الاقتصادي ومشروع طريق "الحزام والحرير"، الذي تلقت أغلب محطاته الرئيسية ضربات أميركية سواء عبر فوضى داخلية أو عقوبات اقتصادية أو غيره، وأن كان شخص دونالد ترامب غير ممنوع لدى الكرملين والمخابرات الروسية، فهو غير مرغوب فيه بالمرة من الحزب الشيوعي الصيني، وتلك نقطة الخلاف المحورية بين الحليفين موسكو وبكين، فالبحرية الأميركية وجهت على مدار الشهور الماضية ثلثي سفنها العسكرية نحو بحر الصين الجنوبي، وافتعلت كل المشاكل هناك، فردت الصين بتغيير خريطة مياه بحر الصين عبر إنشائها جزراً صناعية كي تغير ترسيم الحدود البحرية مع جيرانها بما يناسب حدودها الجديدة، ومع مرور الوقت صار الرد الصيني على تحرشات السفن الأميركية أكثر خشونة.
الصين وبحكم ان أدواتها خارج حدودها اقتصادية على عكس روسيا العسكرية، أدركت أن حربها ضد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ليست في سوريا أو ليبيا أو اليمن بل في إيران ثم إيران، وأن نقطة حضورها في الشرق الأوسط تبدأ أيضا من إيران، ولذلك كانت الصين الحليف الوحيد لطهران بعد العقوبات الأميركية الأخيرة عليها، فجاءت التفجيرات اليومية في إيران كضربة مزدوجة من إسرائيل وأميركا على إيران والصين.
وبعد سلسلة عقوبات اقتصادية على الشركات الصينية وكذلك الإيرانية، ووضع مستقبل الاستثمار في لبنان تحت رحمة صندوق النقد الدولي، ذهبت الصين الى لبنان في خطوة من الخطوات القليلة جدا التي تحسب لها كفعل وليس ردة فعل، عبر إجتماع السفير الصيني ببيروت وانغ كيجيان مع رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب ووزرائه في بداية يوليو/ تموز الماضي لفتح الباب أمام مجموعة شركات صينية عملاقة (بعد أن صنعت تلك الشركات سواء حكومية أو خاصة أسماء بديلة للهروب من العقوبات الأميركية على الأسماء الأصلية) بقيادة شركة "ساينو هيدرو" (الشركة الرقم 11 على مستوى العالم من بين 225 شركة إنشاءات كبرى، وأكبر شركة طاقة كهرومائية في العالم إذ تتجاوز حصتّها 50% من مجمل سوق الطاقة الكهرومائية) للإستثمار في لبنان برغم تعثّره عن دفع سنداته الدولية وفي عزّ مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي.
ومن يتأمل طبيعة تلك المشاريع من أنفاق وخطوط سكك حديد تربط بيروت بدمشق، ومشاريع للطاقة ومعالجة المياه وتدوير النفايات ..الخ، وهو ما تحتاجه لبنان منذ أربعة عقود على الأقل، سيدرك خطورة تلك الخطوة على نفوذ الغرب في لبنان، لذلك كان تفجير مرفأ بيروت ضرورياً لخصوم الصين وإيران، وهنا لم نتعجب من سرعة ظهور دمية ال روتشيلد (ماكرون) على مسرح الجريمة.
خلاصة القول: الحرب بين الولايات المتحدة والصين أتسعت رقعتها وخرجت من نطاق بحر الصين الجنوبي وأمتدت إلى الشرق الأوسط، وأتضحت ملامحها في إيران و لبنان، ووصلت إلى أعتاب أوروبا وقلب أفريقيا، في ظل خوض مباراتين عنيفتين جدا بينهما في وقت واحد، المباراة الأولى جاءت بيولوجية، فبعد أن تعافت الصين في الدقائق الأولى من مباراة الفيروس التاجي "كورونا" رغم أنها بلد المصدر، إلا إن الولايات المتحدة مازالت تعاني من تفشي فيروس كوفيد19 (نقول كوفيد19 وليس كورونا)، وفي الدقيقة 90 من عمر تلك المبارة سجل الروسي هدفاً قاتلاً بإعلانه نجاح اللقاح الروسي، ولا نعرف أن كان لتلك المباراة وقتاً إضافياً أم أنتهت بهدف الروسي.
أما المبارة الثانية فكانت تكنولوجية بعنوان "جي5" وحتى الأن الصين متقدمة بفارق من الأهداف برغم إن الغرب كله خصمها في تلك المبارة.
وإن كانت عناوين الحروب بين الأميركي والصيني "طريق الحزام والحرير" و"جي5" و "فيروس تاجي"، فالحرب بين الأميركي والروسي عنوانها "الغاز المتحكم في أوروبا"، فما كان إنسحاب 12ألف جندي أميركي من المانيا إلا "قرصة أذن" لبرلين التي فتحت أبوابها لأنبوب الغاز الروسي، فتم نقل جزء من هولاء الجنود الى بولندا التي تنفذ مشروع "أنبوب غاز البلطيق" لإخراج دول بولندا، الدنمارك، النرويج، وأوكرانيا مستقبلا، من هيمنة الغاز الروسي، والمقرر تنفيذه في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 مع نهاية عقود عمل شركة "غازبروم" الروسية في بولندا، وتم نقل الجزء الأخر من الجنود الى أيطاليا حيث بوابة غاز شرق المتوسط لأوروبا، كي يضع الأميركي يده مبكرا على بوابات مصادر الطاقة القادمة للقارة العجوز.
وفي شرق المتوسط نزل الأميركي بثقله العسكري والسياسي لرسم خريطة الطاقة بين ضفتي المتوسط من شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، خريطة جديدة بدأت بالحضور العسكري الضخم في أيطاليا واليونان، بعد أن منحت تركيا ضوءاً أخضر كي تنقلب على أيطاليا (حليفتها في خراب ليبيا)، ولكي تتحرش عسكريا باليونان، ثم إستكمل الأميركي خطواته بمقترح خبيث يهدف لإقامة منطقة عازلة في سرت والجفرة وتفريغها من أي مكون عسكري وهنا المقصود هو القوات المسلحة العربية الليبية، تمهيدا لتقسيم البلاد وليس لوقف إطلاق النار كما يدعي الأميركي.
ومازال للحرب بقية، ومازال هنك دول وبحار ستكون ساحات للصراع بين الكبار، ومازالت هناك أدوات وأسلحة جديدة تظهر سواء كانت بيولوجية أو تكنولوجية أو عسكرية، فهي حرب أدمغة بأمتياز وللكبار فقط.