أقلام الثبات
عيّنت بريطانيا الاربعاء الماضي المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية البريطانية ريتشارد مور رئيساً لجهاز المخابرات الخارجيةMI6" "، على أن يتولى منصبه الجديد في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل خلفاً لرئيس الجهاز الحالي أليكس يونغر الذي يقود الجهاز منذ 2014.
الى هنا يبدو الخبر عادياً، لكن عندما نتطلع أكثر في سيرة ريتشارد مور كي نعرف إتجاهات بوصلة واحد من أقوى أجهزة الإستخبارات في العالم، فسنجد أن الرجل الذي ولد بالعاصمة الليبية طرابلس 1963م، كان يمارس مهامه كسفير لبلاده في تركيا من 2014-2017، وفي نفس الوقت كضابط أتصال بين المخابرات البريطانية ونظيرتها التركية، فهو يجيد التركية بطلاقة، وأنضم لجهاز الإستخبارات البريطانية منذ عام 1987م حين كان عمره 24 عاما.
مور الحاصل على بكالوريوس في الفلسفة والسياسة والأقتصاد من جامعة أكسفورد هو رجل مخابراتي بأمتياز، وبالتأكيد هناك مغزى وهدف جديد من عودته الثانية لقيادة جهاز الإستخبارات، ففي نفس اليوم الذي عين فيه مور توجه وزير الدفاع الأيطالي لورينزو غويريني إلى طرابلس في زيارة غير معد لها مسبقا، وأجتمع مع السراج ونائبه أحمد معيتيق، ووزير خارجيته طاهر سيالة، ووكيل وزارة دفاع الوفاق صلاح الدين النمروش، ووزير الداخليه فتحي باشأغا، وكان الهدف الايطالي هو قراءة ملامح مستقبل دور ايطاليا في الغرب الليبي، في ظل الخلاف المتصاعد بين روما وأنقرة، ومعرفة نية حكومة الوفاق تجاه روما.
بعد أن منعت حكومة الوفاق دخول 40 جندياً ايطالياً لمطار مصراتة مؤخرا بحجة عدم إمتلاكهم تأشيرات دخول، وهو أمر لم يحدث من قبل، فالجنود الايطاليون يدخلون طرابلس ومصراتة دوما دون أن تعرف سلطات حكومة الوفاق عنهم أي شئ، كحال فايز السراج عندما وصل لميناء طرابلس بعد تنصيبه من الأسرة الدولية كوصي على ليبيا على متن فرقاطة ايطالية دون أن يعرف الشعب الليبي عنه شيئاً، فقرار منع دخول الجنود الطليان لمصراتة كان رسالة تركية لروما.
وقد تطرق الاجتماع لوضع مطار مصراتة بعد أن التهمت نيران الخلاف بين مليشيات الوفاق ومرتزقة أردوغان من جانب، ومصالح فايز السراج ونائبه، الاقتصادية الشخصية من جانب أخر صالة مطار مصراتة، في ظل انتشار أخبار تفيد بكتابة إسم "ايطاليا" باللغة الانجليزية على أسطح المباني التي يتواجد فيها الجنود الطليان بالكلية الجوية بمصراتة لتفادي قصفها، كإشارة على أن ساعة الصفر للحرب الحقيقية قد أقتربت، ولذلك كان من الطبيعي بعد زيارة وزير خارجية ايطاليا لطرابلس، ثم توقيع إتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان يوم الخميس الماضي، أن يتواجد وزير خارجية تركيا في طرابلس بنفس اليوم، وبصحبة وزير الخارجية المالطي بارتولو لبحث توقيع أتفاق بحري ثلاثي بين الدولتين وحكومة الوفاق، على أن يتم وضع مالطا في المعادلة الليبية على حساب روما، برغم رائحة فساد العلاقة بين مالطا وحكومة الوفاق التي فاحت، بعد أن وضعت "الخزانة الأميركية" عقوبات على ثلاثة ليبيين هم فيصل الوادي ونورالدين ميلود محمد ومصباح محمد وادي، وشركتي الوفاق المحدودة وشركة المرايا المسجلتين في مالطا، بتهم تهريب المخدرات والنفط من مرفأ "زوارة" الذي تسيطر عليه مليشيات الوفاق.
من كل ما سبق، تقول الكواليس إن مطابخ السياسة في الدول العظمى ساخنة جدا، وأن الحرب لم تتوقف، ولكن هناك من يستعد للنزول بنفسه الى الملعب الليبي بعد أن كان يكتفي بدعم البلطجي الأجير لديه في المنطقة (تركيا)، بعد أن أربك الخط الأحمر المصري المرسوم على "سرت-الجفرة" حساباته، وبعد أن دخل التركي في صدام أعنف مع قبرص واليونان في المياه الاقتصادية للدولتين، الأمر الذي أستدعى توجه حاملة الطائرات النووية الأميركية USS Dwight D. Eisenhower و 12 سفينة حربية إلى مياه اليونان لإجراء تدريبات مع الجانب اليوناني.
أخيراً ، تبذل مصر جهوداً كبرى سواء في ليبيا أو بشرق المتوسط لوضع خط جديد، ولكن في هذه المرة خطاً عازلاً بين البلطجي الأجير ومن يحركه، وإذا نجحت مصر في ذلك سيتحول ذلك الخط الى حبل مشنقة يلتف حول رقبة الغازي العثمانلي، ولو فشلت في خنقه بذلك الحبل فستكون سرت والجفرة وشرق المتوسط في انتظار المعركة التي ينتظرها التاريخ في كل حقبة زمنية.