أقلام الثبات
تستمر الولايات المتحدة في تنفيذ مشروعها للشرق الأوسط الجديد، الذي بدأته ميدانياً بغزو العراق عام 2003 بحجة إسقاط صدام حسين، الذي دعمته في حربه ضد إيران وورّطته بغزو الكويت، وألزمت العرب بتمويله. لا تزال أمريكا تستعمر العراق سياسياً وتنهبه مالياً، متبعة استراتيجية التفتيت، أولاً بين الكرد والعرب، ثم بين العرب السنة والشيعة، وبعد فشل محاولتها الأولى للقضاء على الوجود الشيعي السياسي والعقائدي عبر اجتياح 'داعش' عام 2014، تنتقل الآن إلى مرحلة إسقاط العراق بالكامل، بعد نجاحها في إسقاط سوريا وتوجيه ضربات قاسية للمقاومة اللبنانية، مما يضعها على وشك إلغاء 'الهلال الشيعي' الذي حذّر منه الملك الأردني عبد الله في عام 2004 بعد انتصار الشيعة في العراق وتمكنهم من الحكم، مؤكداً أن مفتاح تفكيك هذا الهلال هو إبعاد الشيعة عن الحكم في العراق.
لم يكن إدراج العراق لحزب الله وأنصار الله في قائمة الإرهاب وحجز أموالهما والنشر في الجريدة الرسمية، سهواً غير مقصود، خصوصاً أن إلغاء القرار والتوعّد بمحاسبة المسؤولين جاء بعد مرور أكثر من 15 يوماً على نشره، فهل يُعقل أن يُقرر هذا الإجراء ويُنشر بعيداً عن علم المسؤولين، ولم يقرأه أحد في العراق!
نشر هذا الإعلان كان جسّ نبضٍ لردة فعل الأحزاب الشيعية العراقية، للتأسيس عليه بخطوات قادمة قد تكون أكثر قسوة ووضوحاً، بالتوازي مع هدف آخر يتمثّل في إحداث فتنة بين العراق وإيران والمقاومة في لبنان وأنصار الله في اليمن، بهدف تفكيك "الهلال الشيعي" وما تبقى من المحور المقاوم، بالإضافة إلى محاولة أمريكا إشعال فتنة شيعية - شيعية داخل العراق، بعد فشل محاولتها إقصاء المقاومة العراقية في الانتخابات النيابية، مما أفشل خططها، فبدأت بمحاولة تأجيج صراع داخلي ودفع القوى الشيعية إلى ساحة التنازع فيما بينها حول منصب رئيس الوزراء المقبل، عبر تحميل رئيس الحكومة الحالي مسؤولية نشر قوائم الإرهاب.
تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بنفوذ كبير في العراق، يواجه قوى المقاومة والحشد الشعبي والمرجعية الدينية الرشيدة، فضلاً عن هيمنتها العسكرية والسياسية والمالية التي تسيطر على مفاصل الدولة، ويحظى الأكراد في العراق بحماية أمريكية ووجود "إسرائيلي"، بينما لا يزال غالبية أهل السنة موالين للبعث الصدامي ويبايعون تنظيم "داعش" الذي ينتظر الأوامر الأمريكية لإعادة غزو البلاد، وبدلاً من أن تكون سوريا حليفاً للعراق ضد "داعش" وجبهة النصرة، أصبحت قاعدة انطلاق لهما، مع ممر مفتوح للعدو "الإسرائيلي" يمتد من جنوب سوريا إلى الحدود العراقية - السورية.
يواجه العراق خطراً داهماً وظروفاً صعبة تختلف عن ظروف غزو "داعش" الأول، حيث كانت إيران وسوريا والمقاومة اللبنانية قادرة على إسناده والدفاع عنه، أما اليوم، فالمقاومة اللبنانية منشغلة بحربها ضد "إسرائيل" ولا تستطيع المشاركة، وإيران لا تزال في حالة تأهب تحسباً لضربة ثانية، وسوريا تحولت من حليف إلى خصم، وهذا يضع مسؤولية الدفاع عما تبقى من العراق على عاتق الحشد الشعبي وفصائل المقاومة العراقية والأحزاب.
إن التأخر في معالجة التباينات والخلافات داخل الصف الشيعي، ينذر بمخاطر جسيمة تهدد العراق المقاوم، وربما يعيده بالكامل إلى الحِضن الأمريكي، ليتحول "العراق الرسمي" إلى خصم لقوى المقاومة وحليف للمحور الأمريكي - "الإسرائيلي"، وقد ينزلق إلى التطبيع بعد إقصاء قوى المقاومة من الحكومة أو إسقاطها عبر ضربات عسكرية أمريكية - "إسرائيلية"، أو زحف إرهابي من "داعش" وجبهة النصرة، أو انقلاب من أهل السنة والأكراد..
هل تبادر قوى المقاومة في العراق إلى حفظ ما تبقى من العراق، بمراجعة مواقفها وممارسة النقد والمحاسبة لإعادة تنظيم صفوفها وتطهيرها، والابتعاد عن الانشغال بالمناصب وجمع الأموال؟ وإلا فإن مصير الشيعة في العراق سيكون كمصير الشيعة والعلويين في سوريا.
ليس أمام الإخوة العراقيين متّسع من الوقت لإعادة تجميع صفوفهم وحشد قواهم وتوحيد كلمتهم، وإلا سيخسرون حكما كان ثمنه غالياً، يتمثل في مئات الآلاف من الشهداء والمقابر الجماعية والسجون والإعدامات والتهجير... وسيعودون ليكونوا الضحايا مرة أخرى، ولن تبقى أي عتبات مقدسة أو قصور أو مواكب!
تستعد أمريكا لهجوم كبير يهدف إلى تصفية الحشد الشعبي والتمثيل الشيعي في العراق، وتأمل في أن تكون وفاة المرجع السيد السيستاني أو اغتياله نقطة تحوّل، لكسر حلقة الأمان والقيادة للشيعة في البلاد، خصوصاً بعد نجاح المرجعية في إحباط المشاريع الأمريكية، بحكمتها وطاعة العراقيين لها وفتوى "الجهاد الدفاعي".
يا أهلنا في العراق توحّدوا... من أجلكم ومن أجلنا... ومن أجل ما تبقّى من الأمة.
أمريكا... وإسقاط ما تبقى من العراق _ د. نسيب حطيط
الخميس 11 كانون الأول , 2025 08:08 توقيت بيروت
أقلام الثبات
"حربٌ ستتجاوز حدود لبنان".. مفاجأة "انصار الله" الكبرى! _ ماجدة الحاج
لإحياء وترميم ثقافة المقاومة والعداء "لإسرائيل" ــ د. نسيب حطيط
"الحزب": الماكينة الانتخابية جاهزة في كل لبنان... ومنفتحون على الجميع تحت هذا السقف ــ حسان الحسن