أقلام الثبات
إلى المُراهنين على ما هو أعظم، من هؤلاء العاملين على تقويض ما تبقى من مقومات الدولة اللبنانية ومنعها من إعادة ترميم نفسها على أنقاض مزارع عمرها عشرات السنوات نقول: لن يحصل لنا أكثر مما حصل منذ 17 تشرين ولغاية الآن، ولم يعُد لدينا ما نخسره، بمواجهة عملاء أذلاء من أهل السياسة والإعلام، وصبيان السفارات و"الثوار" المدفوع عَلَفُهم سلفاً من بعض الأحزاب الرخيصة الساقطة، التي تُراهن حتى على إندلاع الحرب بين المقاومة والعدو "الإسرائيلي"، لتكتمل مشهدية تدمير الكيان اللبناني في مخيلاتهم المريضة.
ومع تزامُن حدثين يوم الإثنين الماضي: المواجهة التي زعمها العدو مع المقاومة على الحدود الجنوبية، وتخفيض تصنيف لبنان لدى شركات الإئتمان الدولية، والإعلان أنه بات الدولة الأولى في الشرق الأوسط الذي بلغ فيه التضخُّم مؤشرات الإفلاس، نعترف أن ما تُعرف بالحرب الرابعة أو الناعمة التي أرادتها لنا أميركا لتخييرنا بين المقاومة والتجويع قد حصلت ولكن، ما لا يُمكن أن يحصل، أنه مهما انهار وضعنا الإقتصادي وتصنيفنا الإئتماني، فإن النتيجة في الصراع بين المقاومة والعدوان لن تتغيَّر، ولو أن قدرة اللبنانيين على الصمود الإقتصادي ليست كما في العامين 2000 و 2006، لكن بالمقابل، فإن صمود المستوطنين الإسرائيليين سواء في الشمال أو في الوسط قد بلغ حدود الإنهيار المعنوي والذعر المجتمعي قبل وقوع الحرب، ومع ضرب القطاع السياحي في الكيان المحتل الى جانب التظاهرات اليومية لإسقاط نتانياهو، جاءت احتمالات المواجهة مع حزب الله لِتُشكِّل العنصر الأكثر ضغطاً على المقومات الوجودية لشعبٍ انهارت رهاناته على الإستقرار بعد ثلاث جولات انتخابية.
للأسباب الآنفة الذكر، لا حرب "إسرائيلية مع لبنان"، ومع استمرار حرب التجويع الأميركية بمباركة إقليمية خليجية / "إسرائيلية" وبأدوات للأسف لبنانية، تبدو للبعض مقومات الصمود من أجل لقمة العيش صعبة جداً ولكن، سقف النمط المعيشي قد توقَّف لدى اللبنانيين عند حدود 5000 ليرة لسعر صرف الدولار الأميركي، حيث أننا بالمقارنة مع سعر الصرف السابق المُقدَّر بـ 1500 ليرة، فإن أسعار السلع الضرورية بالدعم أو من دونه قد تضاعفت ثلاث مرات وتوقَّفت عند الـ 5000، لأن السلَّة الإستهلاكية والغذائية للبنانيين قد انخفضت تلقائياً الى الثلث، واعتاد اللبنانيون على التقشُّف، ويكاد البعض يلجأ الى النمط الغربي في المشتريات، ليس بالحبَّة كما يحصل في أميركا وأوروبا، بل عبر الشراء المُنضبط للحاجات الضرورية.
مشكلة غالبية اللبنانيين حالياً، أن الأداء الحكومي التنفيذي على الأرض غير ملموس، بل شبه معدوم، وأداء القضاء هزيل الى درجة "النوم في الكوما"، والقطاع العام مشلول من قبل وباء الكورونا، والقطاع الإقتصادي والإنتاجي الخاص يُعاني من إنعدام القُدرة الشرائية، والعجز عن التصدير، وإذا كان اللبنانيون يائسون من اجتراح الحلول، فالحلّ سيكون بإنفجار سياسي على المستوى الإستراتيجي لإنقاذ بلدٍ يختنق، مما سيفرض انهياراً للعراقيل التي تمنع لغاية الآن فتح الحدود مع سوريا ومنها الى العراق وصولاً الى إيران، ومَن ما زال يُراهن على أميركا والغرب، فلينتظر الفرج من تغريدات "بومبيو" وتصريحات "لو دريان" ...