هل ندرك الحجاج دون حج؟

السبت 25 تموز , 2020 02:06 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات  

 

هل ندرك الحجاج دون حج؟

 

في كل عام يتجلى مشهد الحجاج أمام الناظرين؛ مشهد يبعث في النفس الروح من جديد، ويشرق في القلب أمل أن تكون حاجاً ذات يوم كهذا الذي خرج أمامك تواً إلى الحج، وأعظم من هذا حين يجتمع حجاج بيت الله الحرام في صعيد واحد، تراهم عبر الشاشات يطوفون بالبيت وتراهم على عرفة مبتهلين وتغبطهم يوم النحر وهم يتمّون النسك، وتتمنى والشوق يملأ قلبك أن تقف كموقفهم هذا في قابل.

والحصيف الفطن هو من أدرك أن هؤلاء القوم إنما سبقوه اليوم إلى الحج بما يسر الله لهم من قبول للوفود عليه وزيارة بيته الحرام، وأنَّه مقيم في بلده وقد أعطاه الله ما أعطاه كي يجتهد على نفسه فلعله يلحق بالأجر قدر ما استطاع؛ لينافس به حجاج بيت الله الحرام، فلربما باجتهاده وإخلاصه وهو في بيته سبق حجيجاً لم يؤدوا حجهم كما هو مطلوب منهم، ولعل صِدقه في توجهه بلّغه منازل الحجاج فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة في غزوة تبوك: "إنَّ بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر" (أخرجه البخاري).

جعل الله للمسلم الذي لم يكتب له الحج في عامه موسماً غنياً بالأجور سواء أكان على مدى العام أم مختصاً بأيام معينةوقد جعل الله للمسلم الذي لم يكتب له الحج في عامه موسماً غنياً بالأجور سواء أكان على مدى العام أم مختصاً بأيام معينة؛ ومن ذلك:


- طلب العلم ونشر العلم: عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان له كأجر حاج تاماً حجته" (حديث حسن أخرجه الطبراني).

- الاعتكاف بالمسجد بعد صلاة الفجر: عن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" (رواه الترمذي).

- العبادة في عشر ذي الحجة: ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء" (رواه البخاري).

يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: "من كان عاجزاً عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج".

والأعمال الصالحة هنا بمطلقها وليست محددة بشيء على وجه الخصوص؛ إلا أنَّه قد صحت النصوص بالإكثار فيها من التكبير وذكر الله تعالى؛ قال الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} الحج 28، قال ابن عباس وابن كثير يعني أيام العشر.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيّام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه الطبراني في المعجم الكبير).

- يوم عرفة أعظم أيام السنة: ويوم عرفة قد يكون الجائزة الكبرى للمسلمين فهو أفضل أيام السنة على الإطلاق وفيه يغفر الله لحجاج بيته الحرام، وقد ورد في فضل صيامه ما ليس في باقي أيام السنة؛ فقد روى مسلم وغيره أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".

- التقرب بالأضحية: لا تنتهي هذه الأيام بانتهاء يوم عرفة، بل يدخل معها يوم النحر وهو أول أيام عيد الأضحى المبارك، ولعل من أبلغ وأعظم ما يتقرب به العبد إلى الله يوم الأضحى هو أن يذبح لله تعالى أضحية كما أمر ربنا. روى الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنَّه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإنَّ الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفساً".

وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكلِّ شعرة حسنة، قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة.

فمن المهم أن يستشعر المؤمن عظم هذه الفريضة وأجرها وأن يسأل الله بصدق أن يبلغه إياها، فإنَّ كل تلك الأعمال قد تساوي الحج بالأجر إلا أنَّها لا تجزئ عن الحج كأداء للفريضة

ولعل من المهم أن يستشعر المؤمن عظم هذه الفريضة وأجرها وأن يسأل الله بصدق أن يبلغه إياها، فإنَّ كل تلك الأعمال قد تساوي الحج بالأجر إلا أنَّها لا تجزئ عن الحج كأداء للفريضة ولا تسقط عن صاحبها حتى يؤديها، ومن البديع هنا ذكر ما كتبه الحافظ ابن رجب رحمه الله في اللطائف:

"من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم بحق الله الذي عرفه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة فليبت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه، ومن لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف فليقم لله بحق الرجاء والخوف، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المنى، ومن لم يصل إلى البيت ﻷنَّه منه بعيد، فليقصد رب البيت فإنَّه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل