الثبات - إسلاميات
الاعتدال في الإنفاق
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُوٓاْ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31].
إنَّ هذه الآية الكريمة تحثنا على خلق حسن ألا وهو الاعتدال في العيش وتنهانا عن الإسراف والتبذير والذي يعني التفريط والتبديد بلا فائدة، ومما يأسف ما نراه حولنا من كثرة الإسراف والتبذير بدعوى التباهي والكبر ومجاراة لتوافه الأمور في هذه الدنيا، فالواجب علينا الانتباه كي لا نقع بهذه المشكلة وعلينا تذكر أنَّ هناك الكثير في هذا العالم ممن يموتون جوعاً وهناك الكثير الذين قد ينقذهم ما تقدموه لهم من قليل للقضاء على مرض أو التغلب على مشكلة حلها وجود المال، وهناك الكثير الكثير من الأمثلة التي نعجز عن تعدادها في مقال قصير.
علينا أن نفهم جميعاً أنَّ الله سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ولكن دون إسراف أو تبذير، وهذا لا يعني أن يقتّر الانسان على نفسه أو على عائلته ولكن الاعتدال مطلوب وفي كلِّ الأمور وليس في المال فقط، فقد يكون في الأكل والشرب أو الملبس أو أي أمر آخر قال تعالى: {ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} [الإسراء:29].
معنى الإسراف: هو صرف الشيء في حقه زائداً على ما ينبغي، وهو تجاوز الحد في كلِّ فعل يفعله الإنسان.
معنى التبذير: التبذير إنفاق المال في غير حقِّه، وقيل: التبذير هو صرف الشيء فيما لا ينبغي، كما قيل: هو تفريق المال على وجه الإسراف.
ما هي أسباب الإسراف والتبذير عند البعض؟
أولاً: حب التباهي بما يملكون وهذا إن دلَّ على شيء فإَّنما يدلُّ على نفس مريضة ضعيفة تحتاج إلى علاج.
ثانياً: التقليد الأعمى للآخرين دون وعي أو تقدير للأمور فكلُّ همهم أن لا يظهروا بمظهر أقل من غيرهم.
ثالثاً: عدم تقديرهم أو فهمهم لما يملكون، فالغنى المادي قد يكون نعمة كبيرة أو نقمة أكبر فالمال مثلاً يساعد في تلبية رغبات واحتياجات صاحبه ولكنه في ذات الوقت قد يتحول إلى نقمة إن لم يستخدم بطريقة صحيحة.
رابعاً: عدم الفهم الصحيح لهذه الدنيا وكم هي فانية وأنّها دار مرور لا أقل ولا أكثر، فمن تشبث بها أهلكته ومن عمل بها متيقناً أنه تاركها لا محالة توصل إلى أن كل ما يقوم به من تعالٍ وإسراف وتبذير هو من عمل الشيطان ولن يفيده بشيء في آخرته فيتعظ ويعتدل في حياته ومعيشته.
خامساً: قد تكون صحبة المسرفين المبذرين هي سبب هذا التصرف المذموم فما يكون إلا التقليد والمجاراة لمن هم بصحبتهم فيبذرون المال هنا وهناك بدون حسبان متغافلين عن حقيقة أن المال مال الله ولا يحق لهم تبذيره بأي شكل من الأشكال.
ما هو الحل الأمثل لمسألة التبذير والإسراف؟
1- إنّ الحل ألامثل يكون بالتوعية الدينية والتي تبين أهمية الاعتدال وخطورة الإسراف أو التقتير، قال صلى الله عليه وسلم: "كلُوا واشربوا وتصدَّقوا في غيرِ مخيلةٍ ولا سرفٍ فإنَّ اللَّهَ يحبُّ أن يَرى أثرَ نعمتِه على عبادِهِ".
2- التربية الصحيحة من قبل الأهل هي أمر في غاية الأهمية، فكما يعلّم الأهل أبناءهم أموراً حياتية مختلفة، عليهم أيضاً تعليمهم وتربيتهم على حسن إدارة أموالهم بالطريقة المثلى دون تبذير أو تقتير وكذلك حفظ النعمة وشكرها فيكبر الطفل على تقدير كلِّ ما أعطاه الله من النعم فيشكرها. وشكر النعمة تكون بالمحافظة عليها والتصدق منها وعدم وضعها في الحرام أو تبذيرها في تفاهات، وعلى الأهل تعليم أبنائهم وتربيتهم على حسن إدارة أموالهم بالطريقة المثلى دون تبذير أو تقتير وكذلك حفظ النعمة وشكرها.
3- وجود القدوة الحسنة، فالأب مثلاً لا يسرف ولا يبذر وكذلك الأم فيكون ذلك درساً عملياً لأبنائهم. وكيف يطلب الأهل من أبنائهم وبناتهم الاعتدال إن ربّوهم على الإغداق في العطاء بلا حساب فيكبر الأبناء وليس عندهم أي تقدير لمعنى النعم.
4- مجاهدة النفس وتربيتها على الاعتدال والرضى والقناعة بالقليل.
5- الابتعاد عن المسرفين وعدم مداهنتهم أو تشجيعهم على ما يقومون به من تبذير.
أضرار الإسراف أو آثاره السلبية على الفرد والمجتمع؟
• يخسر المسرف محبة الله له فقد قال سبحانه وتعالى {إنّه لا يحبّ المسرفين}.
• نشر عادات وثقافات سلبية في المجتمع من مثل البذخ في الحفلات والاستقبلات.
• انهيار المجتمع الذي تربى أبناؤه على الإسراف والتبذير هو نتيجة حتمية لا بد منها عاجلاً أم آجلاً .
• انتشار الفساد واختفاء روح التعاون بين الناس.
• انتشار الحقد والكراهية في المجتمع فمثلاً رؤية الغني المسرف يبذر ما لديه هنا وهناك يثير حقد المحتاجين الفقراء الذين لا يملكون حتى أساسيات الحياة.
• خسارة المال وهذه نتيجة طبيعية للتبذير.
لنتق الله في أنفسنا فلا نهلكها في التبذير والإسراف فالنفس البشرية ضعيفة إن اعتادت على شيء ألفته، لنتق الله في أبنائنا ولنكن قدوة صالحة يحتذى بنا فلا نقول ما لا نفعل ولنعلمهم أن دين الاسلام هو دين الاعتدال والوسطية في كلِّ شيء ولا ننسى قوله جلّ وعلا: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:26-27].