خاص الثبات
يرحلون الكبار، وتبقى صورتهم الحقيقية محفوظة في ذاكرة الشعوب، لا في كلمات النفاق أو في منشورات حزينة من أولئك الذين خاصموهم وشيطنوهم وهم أحياء.
زياد الرحباني، الفنان، المثقف، المناضل، الوطني حتى النخاع، لم يكن مجرد موسيقي عبقري أو كاتب مسرحي ساخر. كان بوصلة. رجلٌ لم يساوم، ولم يهادن، ولم يمدّ يده للقتلة. صرخ في وجه الكيان الصهيوني مبكرًا، ولم يوارب في عدائه له، بل ذهب أبعد من ذلك، ووقف إلى جانب قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، حين كان الكثير من "الحداثيين" و"الديمقراطيين" يبررون التطبيع تحت مسميات سخيفة.
زياد لم يكن رماديًا. كان واضحًا، فاضحًا، منحازًا للفقراء، للمقهورين، للمخيمات، لأحياء الضاحية، لأزقة صيدا وصور، للمقاتلين الشرفاء، للمناضلة سهى بشارة، التي وقفت بصمت حاضرة بزهرة، لفلسطين الحقيقية، لا فلسطين المؤتمرات.
واليوم، نرى من بكاه على الشاشات وفي الصحف، وهم أنفسهم من وصفوه بالمأزوم، والمجنون، والمتطرف، فقط لأنه لم يكن يشبههم. لأنّه لم يرضَ بمصافحة يدٍ صافحت تل أبيب. فكيف لهم اليوم أن يتباكوا؟ كيف لِمن تخلّوا عن القضية أن يذرفوا دموعهم على من عاش ومات من أجلها؟
زياد لا يُرثى بكلام فارغ. يُرثى بموقف، بخطّ، بمبدأ. يُرثى بالصدق الذي عاشه ومات عليه. أما أولئك الذين وقفوا ضد خياراته، حاربوا صراحته، وهاجموا وضوحه، فلا يحق لهم أن ينسبوا أنفسهم إلى وداعه. أنتم لم تكونوا يومًا منه، ولا هو كان يومًا منكم.
سيظل زياد حيًّا، ليس فقط بأغانيه ومسرحياته، بل بموقفه. بحلفائه الحقيقيين، أولئك الذين شاركوه الحلم والموقف والبندقية. أما الآخرون، فليس لهم سوى الصمت، احترامًا إن تبقّى عندهم شيءٌ منه.