أرض محتلة وتاريخ مزعوم ونشيد مسروق ـ فادي عيد وهيب

الخميس 16 تموز , 2020 10:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في عام 1882م إنتقل كل من النمساوي اليهودي "نفتالي هيرتس إيمبر" الى فلسطين كسكرتير لعضو البرلمان الأنجليزي والدبلوماسي الصهيوني لورانس اوليفانت، وأثناء مكوث نفتالي بفلسطين أهتم كثيرا بمتابعة وضع اليهود هناك.

وعبر عن ذلك فى قصائد عديدة أبرزها قصيدة "حراس الأردن" التي عبر فيها عن فخره الشديد بيهود الأردن، وظل نفتالي طوال مدته في فلسطين يمارس هويته الأولى إلا وهي كتابة الشعر، إلى أن جاء عام 1886م ليحمل أولى كتب نفتالي بعد أن جمع فيه مجموعة كبيرة من أبرز قصائده، وعمد فيها لأن يكون ذلك الكتاب الذي حمل عنوان "نجم الصباح" هو أول مولود شعري حقيقي له بعد أن تم أصدار الكتاب من مدينة القدس، ولكن ما لم يتوقعه نفتالي يوما هو أن يخرج من ذلك الكتاب السلام الوطني لدولة ستجمع كل يهود الشتات، وستخلد أسم نفتالي في أذهان كافة اليهود والصهاينة في العالم، وليس من عرفهم نفتالى من يهود بفلسطين ولبنان والأردن فقط، فسرعان ما بذغ نجم قصيدة "هتكفاه" في أوساط ومجامع اليهود.

وكان أكثر من تأثر بقصيدة "هتكفاه" المهاجر المولدوفي اليهودي صموئيل كوهين الذي رحل إلى فلسطين بتلك الفترة، فقد أصر كوهين بعمل الموسيقى اللحنية لقصيدة "هتكفاه"، حتى بدأ لسان كوهين يقرأ القصيدة على التوالي ويده تلعب على آلة الفلوت، وهي الأله التي أنتشرت وقتها بفضل تحديثها على يد العازف الألماني ثيوبالد بيم، الى أن أنهى صموئيل كوهين لحن هتكفاه ليشارك نفتالي الأحساس والمشاعر ونظرتهم للغد كصهاينة، وكيف سيكون مستقبل الموسيقى بعد التطور الذي حدث لأغلب الالات الموسيقية وقتها في أوروبا الغربية، وكيف سيكون وضع اليهود الفارين من أوروبا الى فلسطين بعين يغلب عليها الترقب، والأخري يغلب عليها عنوان القصيدة التي جمعتهم وهي قصيدة الأمل (هتكفاه).

وهنا كانت الأقدار تُخبِّئ ما لا يتخيله أحد وقتها عندما جاء عام 1948، لكي ينفذ وعد بلفور على أرض الواقع بعد أن تغلبت العصابات الصهيونية على الجيوش العربية، ورفعت نجمة داوود على أرض فلسطين كي تكون للصهاينة دولة، وبنفس العام أعتمد مؤسس دولة الإحتلال ثيودور هرتزل نشيد "هتكفاه" كنشيد للبلاد بصفة غير رسمية الأمر الذي جعل من نفتالي وكوهين من أبرز رموز الدولة الوليدة، فيبدو أن حالة التناغم لم تقتصر على صموئيل كوهين ونفتالي فقط، أي الملحن والشاعر فقط، بل وقائد أوركسترا العنصرية الكبرى ثيودور هرتزل، فالسرقة وإغتصاب حقوق الغير لم تقتصر على الشعر والموسيقى ، بل وعلى أرض وتاريخ ومقدسات أيضا، الى أن صادق الكنسيت على السلام الوطني لدولة الإحتلال "هتكفاه" في نوفمبر 2004م كي يكون النشيد الرسمي للبلاد، وكي يردد أحفاد نفتالي وكوهين أسماء أجدادهم، وتخلد في كتب دولة الإحتلال "الإسرائيلي" كأحد رموز الدولة العبرية.

ولمن يستمع للنشيد "الإسرائيلي" جيدا سيجد بكل وضوح الميلودي العام (الحالة الموسيقية) بلحن هتكفاه تميل بشدة لموسيقى دول البلقان، ومن يستمع للحن مع الكلمات سيجد تناقضاً صارخاً، فموسيقى النشيد تميل للحزن بينما كلمات النشيد نفسها بعنوان "الأمل"، ونتيجة لهذا التناقض تم تحديث اللحن مع زيادة سرعة الإيقاع لكي يتماشى اللحن مع الكلام.

وتأثر صموئيل كوهين في لحنه لـ "هاتكفاه" بالأغنية الإيطالية بلو دي مانتوفا Mantovana، إلى جانب ألحان أخرى من أوروبا الشرقية، كما أن صموئيل كوهين نفسه أعترف بأن الكثير من الحانه مأخوذة من أغاني شعبية بمولدافيا.

وأذا كان هذا وضع لحن النشيد فلم يختلف الأمر كثيرا بخصوص كلمات النشيد نفسه، فما لايعلمه الكثيرون أن قصيدة "هتكفاه" أو "الأمل" في نسختها الأولى تأثرت بدرجة غير طبيعية  بالنشيد الوطني البولندي، فيكفي أن تأتى أولى أبيات قصيدة "هتكفاه" "أملنا لم يضع بعد" متطابقة نصا مع أول أبيات النشيد الوطني البولندي الذي جاءت أولى كلماته "بولند لم تضع بعد"، وتبقى أهم أعمال نفتالي على الإطلاق بعد هتكفاه هي ترجمة أشعار عمرو الخيام  للغة العبرية، قبل أن يتوفى في نيويورك عام 1909م ونقل جثمانة إلى مدينة القدس عام 1953م.

وتبقى أشهر مطربات دولة الإحتلال هي "إشتار" (من أصول مصرية)، والمطربة "ريتا" (من أصول إيرانية)، ومن يستمع لهما سيجد أغلب أغانيهما التي حققت لهم شهرة خارج حدود الدولة العبرية مسروق الحانها من أغانٍ مصرية.

كما يظل المطرب المصري عمرو دياب المادة الخام لكافة ملحنين وموزعين الموسيقي بدولة الإحتلال، فلا أبالغ لو قلت مع نزول كل البوم غنائي للفنان المصري عمرو دياب يتبعه بأيام قليلة صدور نسخ طبق الأصل من أغانيه ولكن باللغة العبرية.

فليس غريباً على عصابات شيدت حدود دولتها على أنهار الدماء، قبل أن ترسم ورقيا حدودها بأنهار الماء، وعلى نبت شيطاني جاء نتيجة علاقة مشبوهة بين المملكة المتحدة والمنظمة الصهيونية، وعلى أناس أعتادوا تزوير التاريخ وسرقة كنوز الدول التي عاشوا فيها قبل مجيئهم الى أرض فلسطين، أن يكون حتى نشيدهم ورمز دولتهم المزعومة شيئا مسروقاً أيضاً.

 

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل